171

Guide for the Preacher to the Evidence of Sermons

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

Genres

٨ - اتق الله حيثما كنت
ولَسْتُ أرَى السعادةَ جَمْعَ مَالٍ ... ولكِنَّ التّقِيَّ هوَ السعِيدُ
وتَقْوَى اللهِ خيرُ الزادِ ذُخْرًا ... وعندَ اللهِ للأتقَى مَزِيدُ
عَنْ أَبي ذَرٍّ ومعاذِ بن جَبَلٍ ﵄:أنَّ رَسولَ اللهِ ﵌ قال: «اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». (حسن رواه التِّرمِذيُّ)
ويدخل في هذا المعنى حديث أبي هريرة، عن النَّبيِّ ﵌ أنَّه سُئِلَ: ما أَكْثَرُ مَا يُدخِلُ الناسَ الجنّةَ؟ قالَ: «تَقْوَى اللهِ وحُسْنُ الخُلُقِ» (صحيح رواه أحمد وابن ماجه والترمذي).
فهذه الوصية وصيةٌ عظيمةٌ جامعة لحقوق الله وحقوق عباده، فإنَّ حقَّ الله على عباده أنْ يتقوه حقَّ تقاته، والتقوى وصيةُ الله للأوّلين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾ (النساء:١٣١).
مَنْ كانَ يعلمُ أنّ الموتَ يُدركهُ ... والقبرَ مسكنُه والبعثَ يُخْرِجُهُ
وأنه بين جناتٍ مُزخرفةٍ ... يومَ القيامةِ أو نارٍ ستُنْضِجُهُ
فكُلّ شيء سِوَى التقوى به سَمِجٌ ... ومَن أقامَ عليه منه أسْمَجُهُ
ترَى الذي اتخذَ الدنيا له وطنًا لم ... يدْرِ أنّ المنايا سوف تُزْعِجُهُ
• أصلُ التّقوى:
أنْ يجعل العبدُ بينَه وبينَ ما يخافُه ويحذره وقايةً تقيه منه، فتقوى العبد لربه أنْ يجعل بينه وبينَ ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعلُ طاعته واجتنابُ معاصيه.
وتارة تُضافُ التقوى إلى اسم اللهِ ﷿، كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (المائدة:٩٦)، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحشر:١٨).
فإذا أضيفت التقوى إليه ﷾، فالمعنى: اتقوا سخطه وغضبه، وهو أعظم ما يُتَّقَى، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي، قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ (آل عمران:٢٨)، وقال تعالى: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ (المدثر:٥٦)، فهو سبحانه أهل أنْ يُخشى ويُهاب ويُجلَّ ويُعَظَّمَ في صدورِ عباده حتَّى يعبدوه ويُطيعوه، لما يستحقُّه من الإجلالِ والإكرامِ، وصفاتِ الكبرياءِ والعظمة وقوَّةِ البطش، وشِدَّةِ البأس.
وتارةً تُضافُ التقوى إلى عقاب الله وإلى مكانه، كالنار، أو إلى زمانه، كيوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران:١٣١)، وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (البقرة:٢٤)، وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ﴾ (البقرة:٢٨١)، وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (المجادلة:٩)، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا﴾ (البقرة:٤٨ و١٢٣).
إذا المرءُ لم يلبسْ ثِيابًا من التُقَى ... تجرَّد عُرْيانًا وإنْ كانَ كاسِيَا
وخيرُ خِصالِ المرءِ طاعةُ ربِّهِ ... ولا خيرَ فيمَنْ كانَ للهِ عاصيَا
• ويدخل في التقوى الكاملة:
فعلُ الواجبات، وتركُ المحرمات والشبهات، وربما دَخَلَ فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات، وتركُ المكروهات، وهي أعلى درجات التقوى، قال الله تعالى: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ (البقرة:١ - ٤).
وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي

1 / 187