Guidance to Monotheism
الإرشاد إلى توحيد رب العباد
Maison d'édition
دار العاصمة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٢ هـ
Lieu d'édition
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا كتاب (الإرشاد إلى توحيد رب العباد) أودعته من الآيات البينات والأحاديث الصحيحة الثابتة وبيان الأئمة المحققين ما يبين معالم الحق، ويهدي إلى جادة التوحيد الخالص الذي دعت إليه الرسل، عليهم الصلاة والسلام، من أولهم إلى خاتمهم محمد، ﷺ.
وقد اشتمل هذا الكتاب المبارك على مقتطفات مهمة من ثلاثة أصول وكشف الشبهات وكتاب التوحيد وغيرها أسأل
1 / 3
الله العظيم أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المؤلف
1 / 4
معرفة الله تعالى
كل ما في الوجود من المخلوقات مفتقر إلى الله، وحادث بأمره وإرادته، ودال عليه ﷾.
والعاقل المؤمن يعرف ذلك بتدبر آيات الله ومخلوقاته في الآفاق وفي الأنفس، قال الله - تعالى ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: الآيتان ١٩٠، ١٩١].
فالمؤمنون عرفوا الشأن الذي خلقهم الله من أجله فأتمروا بأوامر الله واجتنبوا نواهيه، طاعة له وطلبًا لثوابه، وهربًا من عقابه، لأنهم عرفوا أنهم لم يُخلقوا عبثًا ولم يتركوا سُدًى، بل خُلقوا لعبادة الله وحده، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات الآيات: ٥٦ - ٥٨].
1 / 5
وعرف المؤمنون أول ما افترض الله عليهم، وهو الإيمان به وتوحيده، والكفر بالطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة الآية: ٢٥٦].
والطاغوت هو: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، والطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عُبد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله.
1 / 6
توحيد الله تعالى
توحيد الله هو: إفراده بالعبادة وحده، لا شريك له، وهو دينُ الرسل الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات والأسماء والصفات.
توحيد الربوبية:
أما توحيد الربوبية فهو: الإقرار بأنه لا رب للعالمين إلا الله الذي خلقهم، ورزقهم وهذا النوع من التوحيد قد أقر به المشركون؛ فهم يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يُحيي إلا هو، ولا يُميت إلا هو، ولا يُدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات ومن فيهن، والأرض ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى
1 / 7
تُصْرَفُونَ﴾ [يونس الآيتان: ٣١، ٣٢] وقال - جل وعلا، ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون الآيات: ٨٤ - ٨٩] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على إقرارهم بهذا النوع من التوحيد.
ولكن إقرارهم هذا وشهادتهم تلك لم تدخلهم في الإسلام، ولم تنجهم من النار، ولم تعصم دماءهم وأموالهم، لأنهم لم يُحققوا توحيد الألوهية بل أشركوا مع الله في عبادته بصرفهم شيئًا منها لغيره ﷾.
فقوم نوح غَلَوْا في الصالحين: ود، وسُواع، ويَغوُثَ، ويَعُوقَ، ونَسْرَ، فأرسله الله إليهم يدعوهم إلى توحيده وإفراده بالعبادة كلها، ويحذرهم مما هم فيه من شرك وضلال، وهكذا كل نبي يأتي أمته يحذرهم من الشرك كبيره وصغيره غايته ووسيلته، حتى بعث الله محمدًا، صلوات الله وسلامه عليه، إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرًا. فدعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك جميع ما يعبد من دون الله، وقال للناس ما أمره الله به: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا
1 / 8
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: الآية١١٠].
جاء محمد، ﷺ إلى المشركين وهم على بقية من دين إبراهيم، ﵇، يتعبدون ويحجون، ويتصدقون ويذكرون الله، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة، وعيسى، ﵇، ومريم وأناس غيرهم من الصالحين. فأخبرهم، ﷺ، أن هذا التقرب والدعاء لا يصلح إلا لله، ولا يصح صرف شيء منه لغيره - سبحانه - لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلا عن غيرهما وأن ذلك وغيره من أنواع العبادة حق لله، فمن صرفه لغيره حبط عمله. قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان الآية: ٢٣].
توحيد الألوهية:
وأما توحيد الألوهية: فهو توحيد العبادة، وهو إفراد الله ﷾ بجميع أنواع العبادة التي أمر بها. مثل: الإسلام والإيمان، والإحسان، ومنها: الدعاء والخوف
1 / 9
والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة، والخشوع والخشية، والإنابة والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها. كلها لله. والدليل قوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن الآية: ١٨] فمن صرف شيئًا منها لغير الله فهو مشرك كافر. والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: الآية:١١٧].
* ومن الأدلة على أن ما ذكر من أنواع العبادة:
* ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك ﵁ أن رسول الله، ﷺ، قال: «الدعاء مخُّ العبادة».
قال ابن الأثير في النهاية: «مُخُّ الشيء خالصه. وإنما كان مُخها لأمرين:
أحدهما: أنه امتثال أمر الله - تعالى - حيث قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ فهو محض العبادة وخالصها.
الثاني: أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله قطع أمله عن سواه، ودعاه لحاجته وحده: «وهذا أصل العبادة» اهـ. وفي الحديث الصحيح عنه ﷺ، أنه قال: «الدعاء هو العبادة».
ودليل الخوف قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ
1 / 10
أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٥].
ودليل الرجاء قوله - تعالى - ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: الآية ١١٠].
ودليل التوكل قوله - تعالى -: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة الآية: ٢٣].
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله - تعالى-: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء الآية: ٩٠]. ودليل الخشية قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ [البقرة الآية: ١٥٠].
ودليل الإنابة قوله تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر الآية:٥٤].
ودليل الاستعانة قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: الآية ٥].
وفي الحديث: «إذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي
1 / 11
في حديث مطول.
والمعنى: إذا أردت طلب المعونة المتعلقة بأمر الدنيا والآخرة فاستعن بالله، إذ لا معين ولا فاتح باب ولا مانع عطاء إلا الله وحده - سبحانه - لا شريك له، وهو قريب مجيب، فلا حاجة لجعل الواسطة بينه وبين عبده. كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.
ودليل الاستعاذة قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق الآية: ١].
وقوله - تعالى - ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ﴾ [الناس الآيات ١ - ٣].
ودليل الاستغاثة قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال الآية: ٩].
ودليل الذبح قوله - تعالى-: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: الآية١٦٣] وقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: الآية ٢].
وفي الحديث: «لعن الله من ذبح لغير الله» رواه مسلم مطولًا.
1 / 12
ودليل النذر قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: الآية ٧].
فإذا عرف أن هذه المذكورات عبادات. فالعبادات كلها لله وحده لا شريك له. كما أمر الله بذلك، وأرسل به رسله، عليهم الصلاة والسلام.
وتوحيد العبادة هو معنى - لا إله إلا الله - وهو التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم - وهو الذي من أجله قامت المعارك بينهم وبين أممهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وهذا النوع من التوحيد هو الذي جحده المشركون وحاربوا أنبياءهم من أجله، لما دعوهم إلى تحقيقه استنكارًا منهم لتلك الدعوة التي دعتهم لترك ما عليه الآباء من شرك وضلال.
دعوة محمد ﷺ إلى توحيد العبادة:
ولما بعث الله محمدًا ﷺ دعا إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وإلى تحقيق معناها والعمل بها لأن ذلك هو المراد من هذه الكلمة فناصبه مشركو قريش العداوة لما علموا مراده بدعوتهم إلى كلمة التوحيد وأنه إنما أراد معناها لا مجرد لفظها فقط لتكون العبادة كلها لله وحده لا شريك له، ولئلا يصرف منها شيء لغيره ﷾.
1 / 13
والعجب كل العجب من أناس يدعون الإسلام وهم لا يعرفون من تفسير لا إله إلا الله ما عرفه جهال الكفرة، بل يفسرونها بغير تفسيرها الذي قصد منها. بدليل ما يقدمون عليه من شركيات بعث الرسول ﷺ لمحوها والقضاء عليها.
من هذه الشركيات التي يفعلها أولئك المدعُون للإسلام الذبح والنذر، وتقريب القرابين لغير الله، كفعلهم ذلك عند القباب والقبور.
ومنها: دعاؤهم الأموات، وطلبهم منهم الحوائج، واعتقاد النفع والضر فيهم وفي بعض الأحياء.
ومنها: الحلف بغير الله ونحو ذلك من الظلم العظيم الذي ما سبق إليه إلا أهل الجاهلية الذين وجد الرسول ﷺ أن منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليشفعوا له ومنهم من يدعو رجلًا صالحًا مثلا اللات، أو نبيًا مثل عيسى ﵇، ووجد منهم من ينذر لغير الله، ويذبح لغير الله، ويستغيث بغير الله، إلى غير ذلك مما هم عليه من شرك.
فدعاهم ﷺ إلى إخلاص هذه العبادات وغيرها من
1 / 14
أنواع العبادة لله وحده، ثم قاتلهم لعدم امتثالهم لما دعاهم إلى إخلاصه لله من دعاء وذبح ونذر، وتقرب، واستعانة، واستعاذة وخوف ورجاء إلى غير ذلك من أنواع العبادة.
وبيَّن لهم ﷺ الشفاعة المشروعة، ومن يستحقها وأنها لا تكون إلا بإذن الله لمن يشاء ويرضى. كما قال تعالى ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء الآية: ٢٨] وكما قال سبحانه: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ الآية:٢٣].
فالله - سبحانه - قد علّق الشفاعة في كتابه بأمرين: أحدهما رضاه عن المشفوع له، والثاني: إذنه للشافع فهي لا تحصل لمن طلب من الأموات شفاعتهم عند الله لأن طلبه هذا مخالف لأمر الله، وأمر رسوله ﷺ ومن خالف أمر الله فقد سلك سبيل سخطه.
وشفاعة الأنبياء والصالحين ترجى لمن حقق التوحيد، وعرف أن الشفاعة كلها لله، فسأله - سبحانه - مباشرة وبدون واسطة أن يشفعهم فيه، كأن يقول: اللهم شفع في رسولك قال - تعالى -: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: الآية ٤٤].
وقال سبحانه ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾ [السجدة: الآية ٤].
فالشفاعة في الحقيقة لله وحده، فلا تطلب
1 / 15
إلا منه، لأنه ليس للعباد شفيع من دونه، بخلاف شفاعة أهل الدنيا بعضهم عند بعض فيما يقدرون عليه بسبب قوة السلطان أو الرغبة في الإحسان أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤثر على المخلوق، فيقبل شفاعة مخلوق مثله، أما الخالق - جل وعلا - فلا يؤثر عليه شيء من ذلك البتة. لأن الكل فقراء إليه وهو الغني الحميد. ولا يطلب من الميت أي مطلب البتة، ولا يقسم به على الله فمن فعل ذلك فقد أشرك بالله ودعا غيره.
وغاية ما في المسألة أن الحي يسلم على الميت سلامًا فقط ويدعو له.
فإن كان الميت المسلم عليه النبي ﷺ صلى عليه الزائر وشهد له بالبلاغ وتأديته الأمانة والنصيحة للأمة وسأل الله أن يجزيه عن المسلمين خير الجزاء، ولا يرفع صوته بذلك بل يدعو سرًا بينه وبين الله، ويتوجه إلى القبلة لا إلى القبر وإن سلم وانصرف فحسب.
والصلاة على النبي ﷺ يحصل بها الثواب على بعد المكان وقربه. كما قال ﷺ «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ﵁ وإن كان الميت غير النبي ﷺ ممن مات
1 / 16
على الإسلام سلم عليه ودعا له ولنفسه، بما ورد لا يزيد على ذلك كما ثبت عن بريدة ﵁ قال كان النبي ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية» رواه مسلم.
والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ﵃ جردوا العبادة لله تعالى - فلم يفعلوا عند القبور شيئًا إلا ما أذن فيه النبي ﷺ من السلام على أصحابها والاستغفار لهم، والترحم عليهم.
والحاصل أن النبي ﷺ وغيره من الصالحين لا يشفع في أحد عند الله إلا بعد إذن الله له، والله لا يأذن للشافع في الشفاعة إلا لمن وحّده ﷿.
والنبي ﷺ لا يشفع في أحد قد أشرك بالله غيره قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: الآية٤٩] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان الآية:١٣]، وقال تعالى ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [المائدة: الآية٧٢] وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا
1 / 17
أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران الآية:٦٤].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة الآية:٥].
ومن قال ممن يتوسلون بالأموات ويستشفعون بهم: إننا لسنا نعبدهم من دون الله، وإنما نتقرب بهم عند الله لما لهم عنده من الجاه والولاية، ولأننا نستحي من الله بسبب ذنوبنا فنتوسط بهم ليشفعوا لنا.
فجوابه عل ذلك: أن هذا القول هو عين مقالة المشركين التي ذكرها في كتابه حيث يقول ﷾ عنهم: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] وحيث يقول - جل وعلا - ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس الآية: ١٨].
ويقال أيضا من الذي يحول بينك وبين الله حتى تجعل بينك وبينه واسطة؟! أتقيسه على المخلوق الذي يتوسط إليه بمخلوق مثله!! إما لبخله، وإما لجهله بحال المتوسط له؛
1 / 18
وإما لظلمه وعدم رحمته! فالله - سبحانه - منزه عن ذلك كله. فهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وهو بكل شيء عليم، يجيب السائلين، ويغفر ذنوب المذنبين. قال - تعالى -: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة الآية:١٨٦] وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: الآية ٦٠].
وروى الترمذي في حديث ابن عباس ﵄ قال: كنت خلف النبي ﷺ فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فسأل الله. وإذا استعنت فاستعن بالله» ولما سأل جبريل ﵇ النبي ﷺ عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» رواه مسلم.
فعلى من أراد النجاة أن يتوب إلى الله، ويلجأ إليه وحده في السراء والضراء. ولا يتوسط إليه بأحد من خلقه؛ ويسأله الهداية إلى صراطه المستقيم: صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
1 / 19
توحيد الذات والأسماء والصفات:
وأما توحيد الذات والأسماء والصفات فهو: أن نؤمن بأن لله ذاتًا لا تُشبهها الذوات، وصفاةٍ لا تشبهها الصفات، وأن أسماءه دالة دلالة قطعية على ما له -سبحانه - من صفات الكمال المطلق كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى الآية ١١] وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص، الآيات ١ - ٤] وقال تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: الآية ٣] وقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة الآية: ٢٥٥] وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: الآية ١٨٠].
وطريقة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة في أسماء الله
1 / 20
وصفاته:
إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله ﷺ إثباتًا يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تحريف ولا تأويل ولا تكييف.
نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يجنبنا طريق فريق الزيغ والضلال، إنه سميع قريب مجيب.
1 / 21
معنى شهادة أن لا إله إلا الله
معنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده لا شريك له. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف، الآيات ٢٦، ٢٨].
وكلمة التوحيد دلت على معنين هما: نفي، وإثبات، فقول: لا إله - نفي لجميع الآلهة وقوله: إلا الله - إثبات لألوهية الله ﷿.
والإله هو: المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر.
ولا - في «لا إله» نافية للجنس، وخبرها محذوف تقديره حق، والمستثنى بالإ هو «الله» هو الإله الحق وحده لا شريك له.
شروط لا إله إلا الله:
وشهادة أن لا إله إلا الله - لا تنفع قائلها ولا تقيه من عذاب الله إلا بشروط سبعة:
1 / 22