منحة العلام في شرح بلوغ المرام
منحة العلام في شرح بلوغ المرام
Maison d'édition
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٧ - ١٤٣٥ هـ
Genres
يحدث عنه، وتارة يحدث عن أشياخ من جهينة، وأعلوه بالاضطراب في متنه فَرُوي قبل موته ﷺ بثلاثة أيام، وروي بشهر، وروي بشهرين، وروي بأربعين يومًا، كما أُعلَّ بالاختلاف في صحبة عبد الله بن عكيم، فقد قال البخاري: (أدرك زمان النبي ﷺ، ولا يعرف له سماع صحيح) (^١)، وما كان هذا شأنه لا يقف في مقابلة الأحاديث الصحيحة، وهي تدل على ضعفه، فإنها أظهر وأصح وأنفع للأمة، وأقرب إلى أصول الشريعة وقواعدها، فتكون أولى، على أن من أهل العلم من أجاب عن هذه العلل بما لا يتسع له المقام، فإن صح الحديث جُمع بينه وبين حديث ابن عباس ﵄ وغيره بأن الإهاب اسم لما لم يدبغ - كما تقدم ـ، فيكون نهيًا عن استعمال جلد الميتة قبل دباغته، وقَوَّى ذلك الحافظ ابن حجر (^٢)، وقال الحازمي: (ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ، وحينئذ يسمى: «إهابًا»، وبعد الدباغ يسمى جلدًا ولا يسمى إهابًا، وهذا معروف عند أهل اللغة، ليكون جمعًا بين الحكمين، وهذا هو الطريق في نفي التضاد عن الأخبار) (^٣).
الوجه السابع: في حديث ميمونة ﵂ وما قبله دليل على جواز استعمال الجلد بعد الدبغ في اليابسات كالقمح والشعير، والمائعات كالماء واللبن والسمن والعسل ونحو ذلك، لقوله: «يطهره الماء والقرظ»، وإذا طهر صار حكمه حكم غيره من الأعيان الطاهرة، وتقدم في حديث سلمة بن المحبِّق (فإذا قربة معلقة)، مما يدل على أنه استعمل في الماء، ولم ينكر ذلك النبي ﷺ بل أقرهم عليه.
وعن ابن عباس ﵄ عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: (ماتت لنا شاة فدبغنا مَسْكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صارت شنًا) (^٤)، وقوله: (مَسْكها) بفتح الميم وسكون المهملة: هو الجلد، والله أعلم.
(^١) "التاريخ الكبير" (٥/ ٣٩)، ومثله قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في "الجرح والتعديل" (٥/ ١٢١). (^٢) "فتح الباري" (٩/ ٦٥٩). (^٣) "الاعتبار" ص (١١٨). (^٤) أخرجه البخاري (٦٦٨٦).
1 / 94