Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Maison d'édition
مؤسسة قرطبة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
1414 AH
Lieu d'édition
مصر
Genres
Soufisme
الثَّانِيَةُ): أَنَّ غَضَّ الطَّرْفِ يُورِثُ الْقَلْبَ نُورًا وَإِشْرَاقًا يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ وَفِي الْوَجْهِ وَفِي الْجَوَارِحِ، كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْبَصَرِ يُورِثُ ذَلِكَ ظُلْمَةً وَكَآبَةً. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ الْمُشْتَاقِينَ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْفَائِدَةَ. وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ فِي قَوْلِهِ ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [النور: ٣٥] عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ نُورًا» .
(الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ يُورَثُ صِحَّةَ الْفِرَاسَةِ فَإِنَّهَا مِنْ النُّورِ وَثَمَرَاتِهِ، فَإِذَا اسْتَنَارَ الْقَلْبُ صَحَّتْ الْفِرَاسَةُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ تَظْهَرُ فِيهَا الْمَعْلُومَاتُ كَمَا هِيَ، وَالنَّظَرُ بِمَنْزِلَةِ التَّنَفُّسِ فِيهَا، فَإِذَا أَطْلَقَ الْعَبْدُ نَظَرَهُ تَنَفَّسَتْ الصُّعَدَاءَ فِي مِرْآةِ قَلْبِهِ فَطَمَسَتْ نُورَهَا كَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ:
مِرْآةُ قَلْبِك لَا تُرِيك صَلَاحَهُ ... وَالنَّفْسُ فِيهَا دَائِمًا تَتَنَفَّسُ
وَقَالَ شُجَاعٌ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَأَكَلَ مِنْ الْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ فِرَاسَتُهُ. وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَجْزِي الْعَبْدَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ عَوَّضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إطْلَاقَ نُورِ بَصِيرَتِهِ، فَلَمَّا حَبَسَ بَصَرَهُ لَهُ تَعَالَى، أَطْلَقَ لَهُ بَصِيرَتَهُ جَزَاءً وِفَاقًا.
(الرَّابِعَةُ) أَنَّهُ يَفْتَحُ لَهُ طُرُقَ الْعِلْمِ وَأَبْوَابَهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ أَسْبَابَهُ وَذَلِكَ سَبَبُ نُورِ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنَارَ ظَهَرَتْ فِيهِ حَقَائِقُ الْمَعْلُومَاتِ، وَانْكَشَفَ لَهُ بِسُرْعَةٍ، وَنَفَذَ مِنْ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. وَمَنْ أَرْسَلَ بَصَرَهُ تَكَدَّرَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ، وَأَظْلَمَ، وَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَأُحْجِمَ.
(الْخَامِسَةُ) أَنَّهُ يُورِثُ قُوَّةَ الْقَلْبِ وَثَبَاتَهُ وَشَجَاعَتَهُ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ سُلْطَانَ الْبَصِيرَةِ مَعَ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ. وَفِي أَثَرٍ أَنَّ الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ يَفْرَقُ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ، وَلِذَا يُوجَدُ فِي الْمُتَّبِعِ لِهَوَاهُ مِنْ ذُلِّ الْقَلْبِ وَضَعْفِهِ وَمَهَانَةِ النَّفْسِ وَحَقَارَتِهَا مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِمُؤْثِرٍ هَوَاهُ عَلَى رِضَاهُ، بِخِلَافِ مَنْ آثَرَ رِضَا مَوْلَاهُ عَلَى هَوَاهُ، فَإِنَّهُ فِي عِزِّ الطَّاعَةِ وَحِصْنِ التَّقْوَى، بِخِلَافِ أَهْلِ الْمَعَاصِي
1 / 88