Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Maison d'édition
مؤسسة قرطبة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
1414 AH
Lieu d'édition
مصر
Genres
Soufisme
وَعَلَّمَهَا اتَّضَحَتْ لَهُ وَأَضَاءَتْ وَانْفَتَحَ لَهُ مِنْهَا عُلُومٌ أُخَرُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَكَمَا عَلَّمَ الْخَلْقَ وَهَدَاهُمْ مِنْ جَهَالَتِهِمْ جَازَاهُ اللَّهُ بِأَنْ عَلَّمَهُ وَهَدَاهُ مِنْ جَهَالَتِهِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي: أَنْفِقْ، أُنْفِقْ عَلَيْك» .
مَطْلَبٌ: لِزَكَاةِ الْعِلْمِ طَرِيقَتَانِ
وَاعْلَمْ أَنَّ لِزَكَاةِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا تَعْلِيمُهُ لِلْعَالِمِ فَإِنَّ اللَّهَ ﷾ يُنَمِّي عِلْمَهُ بِذَلِكَ وَيُزَكِّيهِ.
وَالثَّانِي: الْعَمَلُ بِهِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ أَيْضًا يُنَمِّيهِ وَيُكَثِّرُهُ، وَيَفْتَحُ لِصَاحِبِهِ أَبْوَابَهُ وَخَبَايَاهُ.
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ فِي قَوْلِهِ ﷺ «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ» قَالَ سُلُوكُ الطَّرِيقِ لِالْتِمَاسِ الْعِلْمِ يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَشْيُ بِالْأَقْدَامِ إلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى حُصُولِ الْعِلْمِ، مِثْلُ حِفْظِهِ وَدِرَاسَتِهِ وَمُذَاكَرَتِهِ وَمُطَالَعَتِهِ وَكِتَابَتِهِ وَالتَّفَهُّمِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الطَّرِيقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْعِلْمِ.
وَقَوْلُهُ «سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ» قَدْ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُسَهِّلُ لَهُ الْعِلْمَ الَّذِي طَلَبَهُ وَسَلَكَ طَرِيقَهُ وَيُيَسِّرُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ طَرِيقٌ مُوصِلٌ إلَى الْجَنَّةِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٧] قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ. فَهَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانُ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُرَادُ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ إذَا قَصَدَ بِطَلَبِهِ وَجْهَ اللَّهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ وَلِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ. وَقَدْ يُيَسِّرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ عُلُومًا أُخَرَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَتَكُونُ مُوصِلَةً إلَى الْجَنَّةِ كَمَا قِيلَ: مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.
وَكَمَا قِيلَ: ثَوَابُ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: ١٧] .
وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا تَسْهِيلُ طَرِيقِ الْجَنَّةِ الْحِسِّيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ الصِّرَاطُ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَهْوَالِ فَيُيَسِّرُ ذَلِكَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ
1 / 50