Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Maison d'édition
مؤسسة قرطبة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
1414 AH
Lieu d'édition
مصر
Genres
Soufisme
وَلَا يَرْضَاهُ، وَيَشْتَغِلَ بِذِكْرِ مَوْلَاهُ، جَلَّ شَأْنُهُ، وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ. وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَامِلِينَ بِذَلِكَ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِنْعَامًا، فَقَالَ ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢] فَإِذَا كَرِهَ الْمُؤْمِنُ الْمُنْكَرَ وَنَوَى بِقَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِهِ لَغَيَّرَهُ كَانَ فِي قُوَّةِ تَغْيِيرِهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إيجَابُ عَيْنِ كَرَاهَةِ مَا كَرِهَهُ مَوْلَاهُ وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.
وَقَدْ قَالَ ﵊ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَ«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» (ثُمَّ) أَرْقَى مِنْ الْإِنْكَارِ بِالْقَلْبِ فَقَطْ الْإِنْكَارُ بِ (لِسَانِهِ) أَيْ أَنْ يُنْكِرَ الْمُنْكَرَ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يَصِيحَ عَلَيْهِمْ فَيَتْرُكُونَهُ أَوْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُغَيِّرُهُ (وَأَقْوَاهُ) أَيْ أَقْوَى مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ (إنْكَارُ الْفَتَى) أَيْ الشَّخْصِ الْمُؤْمِنِ (الْجَلْدِ) بِسُكُونِ اللَّامِ أَيْ الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ، وَيُقَالُ لَهُ جَلِيدٌ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «كَانَ أَجْوَفَ جَلِيدًا» أَيْ قَوِيًّا شَدِيدًا، فَهُوَ صِفَةٌ لِلْفَتَى (بِالْيَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِنْكَارِ الْفَتَى، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ قَبْلِي إلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يَقُولُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» .
وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَرْفُوعًا «يُوشِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَهْلَكَ إلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ» .
وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَرْفُوعًا «سَتَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلَا بِلِسَانٍ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ. قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يُنْقِصُ ذَلِكَ إيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قَالَ لَا إلَّا كَمَا يُنْقِصُ الْقَطْرُ مِنْ الصَّفَا»
1 / 226