Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Maison d'édition
مؤسسة قرطبة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٤١٤ هـ / ١٩٩٣م
Lieu d'édition
مصر
فَائِدَةٌ): ذَكَرَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ أَفْضَلَ صِيَغِ الْحَمْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَرُفِعَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ شَمْسِ الدِّينِ ابْنِ الْقَيِّمِ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ فَأَنْكَرَ عَلَى قَائِلِهِ غَايَةَ الْإِنْكَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي الصِّحَاحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا لَهُ إسْنَادٌ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ عَنْ سَيِّدِنَا آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ ﵊ قَالَ وَلَا يَدْرِي كَمْ بَيْنَ آدَمَ وَأَبِي نَصْرٍ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. - قَالَ أَبُو نَصْرٍ: قَالَ آدَم يَا رَبِّ شَغَلْتَنِي بِكَسْبِ يَدِي فَعَلِّمْنِي شَيْئًا مِنْ مَجَامِعِ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ يَا آدَم إذَا أَصْبَحْت فَقُلْ ثَلَاثًا وَإِذَا أَمْسَيْت فَقُلْ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ فَذَلِكَ مَجَامِعُ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَهَذَا لَوْ رَوَاهُ أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ عَنْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ ﷺ لَمَا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ لِانْقِطَاعِ الْحَدِيثِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَيْفَ بِرِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ آدَمَ؟ قَالَ: وَبَنَى عَلَى هَذَا بَعْضُ النَّاسِ مَسْأَلَةً فِقْهِيَّةً فَقَالَ: لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ وَأَجَلِّ الْمَحَامِدِ فَطَرِيقُهُ فِي بِرِّ يَمِينِهِ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ.
قَالَ: وَمَعْنَى يُوَافِي نِعَمَهُ أَيْ يُلَاقِيهَا فَتَحْصُلُ النِّعَمُ مَعَهُ. وَيُكَافِئُ مَهْمُوزٌ أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ، ثُمَّ رَدَّ هَذَا بِمَا يَطُولُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُحْصِي ثَنَاءً عَلَى رَبِّهِ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّنَاءِ طُولَ عُمْرِهِ.
رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ دَاوُد " إلَهِي لَوْ أَنَّ لِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنِّي لِسَانَيْنِ يُسَبِّحَانِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالدَّهْرَ كُلَّهُ مَا قَضَيْت حَقَّ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ ".
وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: " لَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى دَاوُد ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: ١٣] قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أُطِيقُ شُكْرَك وَأَنْتَ الَّذِي تُنْعِمُ عَلَيَّ ثُمَّ تَرْزُقُنِي عَلَى النِّعْمَةِ الشُّكْرَ ثُمَّ تَزِيدُنِي نِعْمَةً بَعْدَ نِعْمَةٍ، فَالنِّعْمَةُ مِنْك يَا رَبِّ، فَكَيْفَ أُطِيقُ شُكْرَك؟ قَالَ الْآنَ عَرَفْتَنِي يَا دَاوُد " انْتَهَى.
فَلَا يَطْمَعُ الْعَبْدُ فِي أَدَاءِ شُكْرِ أَقَلِّ نِعْمَةٍ إلَّا بِالِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ.
1 / 20