لأنك إن انتظرت أن يخلق الله فيك شبعا دون الخبز، أو يخلق في الخبز حركة إليك، أو يسخر ملكا ليمضغه لك ويوصله إلى معدتك؛ فقد جهلت سنة الله، وكذلك لو لم تزرع الأرض وطمعت في أن يخلق الله نباتا بغير بذر، أو تلد زوجتك بغير وقاع، فلا يجوز لك ترك الأسباب، كما يجب أن تعلم أن مسبب الأسباب هو الله تعالى.
تلك هي الكلمة القوية التي نفى بها الغزالي تهمة التوكل عن مبادئه، وبالتالي عن مبادئ الإسلام.
ومن عجب أن الأمثال أصبحت تضرب بالغزالي إذا ذكرت مذاهب القدرية، ومذاهب المتوكلين الخاملين المتهالكين على الكسل والراحة باسم الدين والقدوة الصالحة.
بل أعجب من هذا أن أقلام الكتاب الذين كتبوا عن الغزالي قد جارت العوام والجمهرة من الناس، فنسبوا إلى الغزالي ما يبرأ منه وما يبرأ منه الإسلام.
ووجه الشبه عند هؤلاء وهؤلاء: هو ما تزخر به كتب الغزالي من ذكر الصوفية وأخبارهم، وما في قصصهم من توكل مطلق.
وقد أوضحنا أن الغزالي يكتب هذا القصص للصوفية فقط، وأنه يقرر أن الصوفية مذهب خاص لا عام، وأن فكرتهم لو سادت لفسد العالم وبطلت الحكمة منه.
الغزالي وتفسير القرآن
كتاب «جواهر القرآن» للغزالي يدل دلالة واضحة على إيمان الغزالي العميق بأن القرآن مصدر كامل لعلوم الروح والبدن والطبيعيات والفلكيات والنباتات، بل وعلوم الآلات بسائر فروعها.
ولهذا فإنه يجب على مفسر القرآن أن يكون محيطا بكل هذه العلوم حتى يؤدي أمانة التفسير كاملة.
فإذا قال القرآن مثلا:
Page inconnue