وأن النظم التي سنها الغزالي ووضعها للمجتمعات، وطرق اتصالها وتعاملها وعوامل اتحادها ومحبتها لخليقة بإنشاء دولة أو عصبة من الأمم عالمية متحابة متعاونة متفانية في غاية نبيلة واحدة، تهدف نحو وجهة عليا يرفرف عليها علم المحبة، ويوحدها قانون الأخوة، ويسعدها السلام الدائم للروح والقلب والأحاسيس.
ورسالة الغزالي الأخلاقية هي تطهير الجوارح تطهيرا كاملا عما يلوثها ، وتزكية القلب حتى عن همسات الغل والحسد وأماني التفوق والغلبة.
هي الطهارة التامة الشاملة لأحاسيس الروح ونداءات البدن ووثبات العقل، فهو يرى أن الإنسان خلق للفضيلة، وأن السعادة والفضيلة صنوان، وأن الإنسان الفاضل هو الإنسان السعيد؛ وبذلك حل مشكلة الإنسان والأخلاق والسعادة حلا فاصلا كاملا.
رسالة الغزالي في الأخلاق هي ربط السعادة بالفضيلة، وبذلك تستريح النفس الإنسانية، ويستريح المجتمع الإنساني، وتستريح الأمم البشرية؛ لأن أهدافها ستتحد بالفضيلة؛ ولأن الفضيلة ستكون طريقها إلى السعادة.
الصراع بين الغزالي والفلاسفة
إن الصراع الذي أثاره الغزالي وحمل لواءه ضد الفلسفة والفلاسفة ليحتل من الثقافة الإسلامية وتاريخ الفكر العام جانبا خطيرا؛ فقد انتظم في الاهتمام به رجال الفكر في مختلف العصور والأزمان على اختلاف ألوانهم ومذاهبهم.
فقد كان للفلسفة في الشرق سيادة وجلال، بل لقد كادت الفلسفة أن تحل مكان الدين، فاستحوذت على الذهن والتفكير واتسعت التصورات، وانتشرت التأملات الفلسفية، وجرى الناس وراء النظريات والجدل جريا أتعبهم وأتعب معتقداتهم وأتعب الحياة معهم.
ولا شك في أن علماء الكلام الإسلاميين قد استفادوا من الفلسفة؛ فالإمام الأشعري وهو ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة أحدثوا أكبر انقلاب فكري في تاريخ الإسلام قد استعان بكثير من النظريات العلمية الفلسفية لتدعيم علم الكلام، وتقوية حججه وطرائق بحثه.
كما أثرت الفلسفة في أدلة الفقه وطرائق بحثه، وأثرت أكثر من هذا في رجال العقل الإسلامي؛ فقد بذل الفلاسفة الإسلاميون كثيرا من الجهود في سبيل التوفيق بين الفلسفة والدين؛ فابتدعوا مذهبا وسطا في علوم ما وراء الطبيعية، وابتكروا نظريات تتأرجح هنا وهناك للمصالحة والتوفيق بين فلسفة الإغريق ونظم الإسلام.
ورغم هذا فقد رهبها رجل الفقه، كما رهبها رجل الكلام؛ فحاربوها وجادلوها وابتدعوا لحربها علوم التوحيد.
Page inconnue