أما الشخص الثاني: فلئن كان منظره جميلا إلا أنه لا يخلو من جملة أطوار لا تلذ الناظر؛ فقد كانت سعة جبينه مضنوكة بغضون العبوسة، وبياضه مبلبلا بظلمة الشكاسة. وكان أنفه الأقنى مرتفعا ومحصورا كذي اشمئزاز، وأنفه وحواجبه المقرونة مزررة كذي غضب وسخط، وأعينه السود المبرقعة بنظر المحتقر والمستصغر، وفمه الأقاحي مفترا بابتسام العجب والتيه، وعلى صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد الكبرياء.
يا قاتل الله الجمال فإنه
ما زال يصحب باخلا متكبرا
أما الشخص الثالث: فقد كان رجلا تعجز عن تشخيص أمارات وجهه دقائق الفراسة؛ فأعينه الزرق قد كانت حادة الشخوص جدا حتى إنها إذا نظرت إلى شيء تكاد أن تجحظ من الحجاج وتطير إليه، وكان وجهه الأعبس يظهر كأنه مصاب بالاستسقاء لما فيه من انتفاخ الرياء ، وكانت جوارح بلبال التفكر حائمة على جوانحه. وهيئة بكاء الطفل ما كانت تبارح شفتيه، هذا عدا أهبة الهجوم التي لم تكن مفارقة عموم هيئته الضخمة، وعلى صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد الحسد والطمع.
أما الشخص الرابع: فقد كان رجلا كهلا وعلى رأسه عمامة قد مزقتها مخالب الدهور وغيرت ألوانها صباغات الأقذار، وعلى بدنه ثوب أنكرت نسجه جميع الأقمشة لما أودعت فيه الأوساخ من الزركشة، فإنه شبعان من الدسم وريان من الوخم، ويعلو هذا الثوب وشاح قد توشح بالغثة ونهشت أقطاره أنياب العثة، فلا يحصى إلا مع الأحلاس ولا يعتبر إلا اعتبار الأدران والأدناس. أما وجه هذا الرجل فقد كان بيضيا، ومشهده دريا، ونظره لا يفتر واقفا على ما يلائمه وقوف شحيح ضاع في التراب خاتمه. ويداه قد كانتا منقبضتين بانقباض يد النخيل على ذهب ولجين. وهما مموهتان بالأوزار ومطليتان بالأقذار، وعلى صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد البخل.
رأى الصيف مكتوبا على باب داره
فحفه ضيفا فقام إلى السيف
فقلنا له خيرا فظن بأننا
نقول له خبزا فمات من الخوف
أما الشخص الخامس: فقد كان رجلا ذات طلعة صفراء، وحلة سوداء، وأسنان مكزوزة، وأصداغ مهموزة. وكانت جبهته تسبح في الكدر، وأعينه تنثر الشرر، وكأنه مشمول بهم عظيم، ومأخوذ بغم أليم، وعلى صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد الضغينة.
Page inconnue