(أتي بأسير يُرعَد فقال لهم أدفُوه)، يريد أدفئوه من الدفاء ولم يكن من لغته الهمز، فذهبوا به فقتلوه، فوداه رسول الله ﷺ، ولو كان يريد به معنى القتل لقال: دافُوه أو دافُّوه بالتثقيل، يقال: دافيت الأسير وداففته إذا أجهزت عليه.
ومما نقل من هذا الباب معدولا به عن سمته حديثه الآخر، حين أتاه قوم من العرب كان لهم طول على آخرين، فقالوا: لا نرضى إلا بأن يقتل بالعبد منا الحر منهم، فأمرهم ﷺ أن يتباوؤوا، يرويه المحدثون: يتباأوْا، وكذلك رواه هشيم وغيره من الرواة، والصواب يتباوؤوا، على مثال: يتقاولوا، من البَواء، وهو التساوي في القصاص؛ قال الأعشى:
إما يصبك عدو في مباوأة يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر
فأما يتباأوا فإنما يكون من بأو الكبر والزهو، وهو ضد المعنى الذي أمرهم به من التساوي.
وأما الإعراب وما يختلف من معاني الحديث باختلافه فكقوله: (ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه). الرواية بضم الذكاتين على مذهب الخبر، وقد حرَّفه بعضهم فنصب الذكاة على مذهب الأمر، لينقلب تأويله فيستحيل به المعنى عن الإباحة إلى الحظر.
1 / 56