Gandhi : Autobiographie ou mes expériences avec la vérité
غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة
Genres
لم أتأثر بحكم زعيم الطائفة، واستأذنته بالانصراف. لكنني كنت قلقا حيال ردة فعل أخي عند سماعه للحكم. ولحسن الحظ، ظل أخي ثابتا على موقفه وكتب لي مؤكدا موافقته على رحيلي بغض النظر عن أوامر زعيم الطائفة.
عقب هذه الواقعة، أصبحت أكثر تلهفا للسفر، فماذا سيحدث لو استطاعوا الضغط على أخي؟ وماذا لو حدث أمر غير متوقع؟ وبينما كنت أفكر في هذا المأزق، سمعت أن محاميا من ولاية جوناجاده مسافر إلى إنجلترا على ظهر سفينة تبحر في الرابع من سبتمبر/أيلول، حيث أصبح محاميا معتمدا للترافع أمام المحاكم العليا، فالتقيت بأصدقاء أخي الذين سبق أن طلب منهم الاعتناء بي، وقد طلبوا مني ألا أضيع فرصة السفر مع مثل هذه الرفقة، ولم يكن هناك وقت لأضيعه، فأرسلت إلى أخي تلغرافا أطلب فيه الإذن بالسفر، وبعد أن أذن لي بالرحيل طلبت من صهري المال، لكنه رفض متعللا بحكم زعيم الطائفة خوفا من أن يخرج عن الطائفة. وحينها لم أجد بدا من أن أطلب من أحد أصدقاء العائلة أن يقرضني المال اللازم للسفر، على أن يسترد نقوده من أخي لاحقا، ولم يكن ذلك الصديق من الكرم بأن يوافق على إقراضي المال فحسب، بل حاول التسرية عني أيضا، وقد جعلني هذا أعبر له عن جزيل شكري على كل ما فعله من أجلي. فاشتريت على الفور تذكرة السفر بجزء من المال الذي اقترضته، ثم بدأت أجهز نفسي للسفر. كنت أعرف صديقا مر بهذه التجربة من قبل، وكانت لديه الملابس وغيرها من الأشياء اللازمة للسفر. ولم ترق لي جميع الملابس التي كانت في حوزته، فقد كنت أكره ارتداء رابطة العنق التي أحببت ارتداءها فيما بعد، وكنت أرى ارتداء السترة القصيرة غير لائق، لكن رغبتي الأسمى في السفر إلى إنجلترا تغلبت على كل ذلك. وحصلت على مؤن تكفيني طوال الرحلة. وحجزت مكانا بجانب أصدقائي في قمرة مماثلة لتلك التي يجلس بها السيد تريمبك راي مازمودار، المحامي من ولاية جوناجاده، وقد قدمني أصدقائي إليه. كان ذلك المحامي رجلا ناضجا وذا خبرة، وفي الوقت الذي كانت لديه فيه معلومات عن جميع دول العالم، كنت أنا ما زلت شابا مراهقا في الثامنة عشرة من عمري دون أي خبرة بالعالم الخارجي. وطمأن السيد تريمبك راي مازمودار أصدقائي.
وأخيرا، أبحرت بعيدا عن بومباي في الرابع من سبتمبر/أيلول.
الفصل الثالث عشر
وأخيرا في لندن
لم أشعر بدوار البحر نهائيا طوال الرحلة، لكن مع مرور الأيام أصبحت عصبيا. وشعرت بالخجل حتى من التحدث إلى الخادم، فلم أكن معتادا على التحدث بالإنجليزية، وكان جميع الركاب في الدرجة الثانية، ما عدا السيد مازمودار، من الإنجليز، ولم أكن أستطيع التحدث معهم، لأني نادرا ما كنت أفهم كلامهم، وحتى عندما كنت أفهم ما يحاولون إخباري به، كنت لا أستطيع الرد عليهم. وكنت أكون كل جملة في ذهني قبل أن أنطق بها. ولم أكن أعرف كيفية استخدام الشوكة والسكين، وكنت أجبن من أن أسأل أي الأنواع الواردة في قائمة الطعام خالية من اللحم، ولهذا السبب لم أتناول الطعام قط على مائدة الطعام، بل كنت أتناوله في قمرتي. وكان طعامي يتكون بصورة أساسية من الحلوى والفواكه التي أحضرتها معي من الهند. أما السيد مازمودار فلم يواجه أي صعوبة في الانخراط والتعامل مع الجميع. كان يتحرك بحرية على ظهر السفينة، وأختبئ في قمرتي طوال اليوم، ولا أخرج إلى ظهر السفينة إلا في وجود عدد قليل من الركاب. وظل السيد مازمودار يحفزني على التفاعل مع الركاب الإنجليز والتحدث إليهم بطلاقة، وأخبرني بأنه يجب أن يتمتع المحامون بلسان فصيح، وقص علي خبراته القانونية. ونصحني باستغلال كل فرصة يمكنني التحدث فيها بالإنجليزية دون الاكتراث بارتكابي الأخطاء التي لا يمكن تجنبها عند التحدث بلغة أجنبية. ولكن كل ذلك الحديث لم يستطع تخليصي من خجلي.
استطاع راكب إنجليزي، كان يكبرني سنا، اجتذابي إلى محادثة معه بطريقته اللطيفة في الحديث، فسألني عن نفسي والطعام الذي كنت أتناوله ووجهتي وسبب خجلي وغير ذلك من الأسئلة. ونصحني بتناول الطعام معهم على الطاولة، وسخر من إصراري على عدم تناول اللحم. وقال لي بلطف ونحن في البحر الأحمر: «حتى الآن لا ضرر من التزامك بالامتناع عن اللحم، لكن عليك أن تعيد النظر في قرارك هذا عند وصولنا إلى خليج بسكاي؛ فالطقس شديد البرودة في إنجلترا لدرجة أن المرء لا يمكنه العيش دون تناول اللحم.»
فقلت له: «ولكنني سمعت أن الناس في إنجلترا يمكنهم العيش دون أكل اللحم.» فأجابني: «تأكد من أن ذلك ما هو إلا أكذوبة، فلم أسمع قط أن أحدا قد عاش في إنجلترا دون أن يأكل اللحم. ألا تلاحظ أنني لا أطلب منك شرب الخمر مع أنني أشربه؟ إنما أطلب منك أكل اللحم لأنك لن تستطيع العيش دون تناوله.»
فرددت قائلا: «أشكرك على هذه النصيحة الصادقة، لكنني أخذت على نفسي عهدا مقدسا أمام والدتي ألا أقرب اللحم، ولذلك لا أستطيع حتى التفكير في تناوله. وإذا وجدت استحالة العيش في إنجلترا دون تناول اللحم، فسأفضل وقتها العودة إلى الهند على تناول اللحم.»
وصلنا خليج بسكاي، لكنني لم أشعر بالحاجة إلى تناول اللحم أو شرب الخمر، وكان قد نصحني البعض بجمع شهادات تثبت امتناعي عن أكل اللحم. فطلبت من صديقي الإنجليزي أن يمنحني شهادة بذلك، وقد منحني إياها بكل سرور، حافظت على هذه الشهادة لبعض الوقت لاعتقادي بأنها ذات قيمة، لكنها فقدت قيمتها عندما اكتشفت لاحقا أن المرء يمكنه الحصول على مثل هذه الشهادة حتى ولو كان يأكل اللحم. فما فائدة تلك الشهادات إذا لم يثق الآخرون في صدق كلامي؟
Page inconnue