قال: هو الذي يسألني، وهذا جوابي.
قال عبيد الله: يظهر من وقاحتك أنك لا تدري من هو الذي يخاطبك.
قال: أعرفه، إنه يزيد بن معاوية.
قال: قل أمير المؤمنين.
فقطع يزيد كلام ابن زياد وقال: دعه يا عبيد الله، ثم التفت إلى عبد الرحمن وقال: وما الذي حملك على هذه الخيانة؟
قال: ليست خيانة، وإنما هو عمل صالح حملني عليه يقيني مما وراءه من خير للإسلام والمسلمين.
فشعر يزيد بأن الرجل ينوي التصريح بأمور مهينة، ورأى من الدهاء أخذه بالحيلة على غرار ما كان أبوه معاوية يصنع في مثل هذه الحال، ومعاوية هو القائل: «لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت»، فلما قيل له: وكيف ذلك؟ قال: «إذا هم شدوا أرخيت، وإذا هم أرخوا شددت». وكثيرا ما كان معاوية يتحمل من أتباع علي كلاما غليظا ويصرفهم راضيا، وما ذلك إلا من كثرة دهائه.
ولم يكن يزيد مثل أبيه، ولكنه أراد أن يتشبه به، فقال لعبد الرحمن: ولكن ما يمنعك أن تقول من أنت؟ وما الذي جاء بك إلى هذه الديار؟
قال عبد الرحمن: إنك تسألني سؤالا لا دخل له في عقابك أو ثوابك، وإنما يكفيك أن تسمع كلامي وتأخذني بإقراري، وأنا أقول إنني جئت لقتلك.
فضحك يزيد والتفت إلى ابن زياد وخاطبه خطابا لم يفهمه أحد، ثم التفت إلى عبد الرحمن وقال له: يظهر أنك مغرور، ونحن لا نرضى إلا أن نلتمس لك عذرا، فقد يكون أحد أغواك، ويكفي للصفح عنك أن تلعن عليا.
Page inconnue