فانتبهت زينب لنفسها وأدركت أنها كان يجب أن تسألها عن حالها فقالت: أظنك من أهل الكوفة، متى جئت منها؟
فقالت: نعم كنت في الكوفة، ورأيت مسلما يناضل بسيفه في بيت طوعة الكندية، ثم رأيتهم يسوقونه والدم يسيل من شفتيه، وعلمت أنهم لما بلغوا به دار ابن زياد قتلوه قتلة لم نسمع بمثلها من قبل؛ أصعدوه إلى أعلى القصر فضربوا عنقه وقذفوا بجثته إلى أسفل.
فصاحت زينب: قتلهم الله! ما أقسى قلوبهم! إني كلما فكرت في ذلك يقشعر بدني.
فقالت سلمى: من أنبأكم بمقتل مسلم؟
قالت: لم نسمعه إلا بالأمس، وكان أخي قد أرسل نفرا من أصحابه للبحث عن حقيقة الحال وفيهم اثنان كنديان لم أر أشد غيرة منهما على الإسلام، جاءانا من أمد بعيد، وقد قص أخي علي من أخبار غيرتهما ما يفرح قلب كل مسلم.
فلما سمعت سلمى ذكر الكنديين خفق قلبها عساهما أن يكونا عامرا وعبد الرحمن، ولكنها تجلدت وسألتها: ومن هما ذانك الرجلان يا سيدتي؟
قالت: لم أرهما يا بنية، ولكني سمعت أخي يذكر أن أحدهما ابن أخ لحجر بن عدي صاحب الغيرة المشهورة في نصرة الحق، وهو الذي قتله معاوية بن أبي سفيان ظلما.
ولم تكد زينب تتم قولها حتى ارتعدت سلمى، وكان الطفل لا يزال على حجرها فأجفل لإجفالها، وصعد الدم إلى وجهها بغتة وأخذت الدموع تتجلى في آماقها. •••
استغربت زينب ذلك من سلمى، ولم تكن تعرفها جيدا ولا تدري علاقتها بعبد الرحمن فقالت: ما الذي غيرك يا بنية؟
فلم تتمالك سلمى عن إرسال الدمع وهي تقول: وهل سمعتم شيئا عن ذلك الوفد يا مولاتي؟
Page inconnue