حين يقول الفرد عن نفسه أنه «تجمهر» يعطي سامعه معنى الإعداد، والاعتداد، والشجاعة، والبأس، ووحشة الفرد، كلها في لفظة واحدة.
واليوم، وأحاديث السلم، ومؤتمرات السلم، وعرائض السلم تملأ الدنيا أجد: «أن الأمة التي تسلم نفسها للسلم تسلم نفسها للعبودية.» هي عبارة تهزني، وتمثل أمام عيني، وتملأ نفسي وتفكيري.
كثيرا ما تقرأ عن الجمال أنه تضاد. وفي الأدب - كما في الحياة - التضاد في الألوان والمواقف والأشخاص يعطي معنى للجمال وللفكاهة وللمسرحية، بل إن هناك من يعتقد أن الفن كله تضاد. هذه الصورة - صورة التضاد - لم يصورها في مشهد كلامي أروع مما صورها فلاح قصدت إليه وهو يشتغل في حقله يوم الانتخابات النيابية، وكان قد اعتزم أن لا يقترع. ورحت أسأله أن يأتي إلى قلم الاقتراع فيرمي بصوته، والظاهر أن سواي كان قد سبقني إليه، وانتزع منه وعدا أن يمتنع عن التصويت، قال لي الفلاح فيما هو يضرب بمعوله: «لا تواخذني! أجا فلان قنعني. قوبز على هالحجر، ومد حديث.» قوبز على الحجر، ومد حديث، فكرة القرفصة، وما فيها من ركود وسكون، يقابلها بتضاد عنيف فكرة «مد» الحديث.
طاغور مارس فن التضاد حين وصف الحبيبة بقوله:
أنت السماء وأنت كذلك العش
ثم أوضح:
أيتها الجميلة، العش يغلف فيه حبك الروح بالألوان والعطور والأصداء، ولكن هناك حيث تمتد وتعمق السماء إلى ما لا نهاية، حيث تطوف الروح، وتسود في بياض طاهر مشع.
شخصيا أفضل: «قوبز ومد ».
ومذهب التضاد في موسيقى أبيات شعرية هزتني إذ وضحت في قصيدة «نذير العظمة»، وعنوانها «سلام على سوريا». وفي هذه القصيدة تجد الزرع والحصاد والطفولة والرجولة، والسلام والحرب والمواسم، أختار منها المقطع الأخير:
لعينيك يا سورية
Page inconnue