من مغترب عاد للبنان
السيد شمدص جهجاه، المعروف بالاسبنيولي باسم:
Senor Carlos Shannon
Importacion Y Exportacion
41 Avenida San Jose
Villa Grande, Argentina
عزيزي شمدص
عسى تصلك رسالتي هذه والأشغال عندك على قدم وساق وفخذ.
كلمة صدق تريد أن تسمعها؟ إنك لم تخطر على بالي كثيرا في الأيام الأخيرة. في هذه اللحظة أذكر فراقنا على ظهر الباخرة وكلانا نصف سكران، وأنت تنهال علي بالقبلات، وتوصيني بألف وصية، هذه أكثرها لم أقم بها؛ فإني لم أقدر أن أقبل شوارب الكثيرين الذين أوصيتني بتقبيل شواربهم؛ ذلك لأن أكثر الناس صاروا بغير شوارب، وبعض الذين دمعت عيناك لذكراهم لا يذكرونك، كذلك لم أوصل بعض الهدايا لأصحابها خشية أن يشمئزوا من تفاهتها، لبنان تغير منذ تركته يا شمدص، ثلاثون سنة هي وقت طويل.
حين رست الباخرة في مرفأ بيروت، نزلنا إلى الكمرك؛ ذلك المكان المرعب الذي طالما سمعنا أخبارا مخيفة عنه، لا تصدق الأراجيف فالكمرك منظم هنا، ورجاله أولاد حلال. وكان يوسف ابن عمنا قد اتصل بصديق له في الأمن العام أو البوليس - لا أذكر - وهيأ لنا الأمور، ولم نتأخر هناك تأخرا غير عادي، كذلك لم ندفع ضريبة على كم صندوق سيكار، ولما تركنا البناية كان أكثر أهل الضيعة - المديلبه - في انتظارنا في بوسطتين - يعني باصين - وقد وضعوا في كل بوسطة يافطة - يعني آرمة - مكتوبا عليها: «أهلا بالمغترب الكبير الأستاذ عوسج شنديب.» وهنا لا تستغرب هذه الكلمات، فكلنا في لبنان «كبير»، والأستاذ هو لقب يعطى لمن ليس له لقب، شرط أن يكون في لبسه شيء من الأناقة، ومظاهره تدل على أنه لا يشتغل بيديه، أو أنه على شيء من الثقافة، «الثقافة» كانت تعرف في أيامنا ب «العلم».
Page inconnue