Georg Buchner: Œuvres complètes
جورج بشنر: الأعمال المسرحية الكاملة
Genres
دانتون :
لأنني أحسست بالاشمئزاز من أولئك الناس. لم أستطع أبدا أن أنظر إلى أمثال «كاتو» المزيفين بغير أن أفكر في ركلهم، تلك هي طبيعتي (ينهض واقفا) .
جولي :
أتذهب؟
دانتون (لجولي) :
لا بد أن أنصرف. إنهم يثيرون أعصابي بسياستهم.
هذه المستويات المختلفة في الحوار والأسلوب، والتداخل المستمر بين كلام الخطباء والمشرعين، وحديث الذات إلى نفسها أو إلى إنسان قريب منها، وأدوار المغنين المتسكعين في الشوارع، وبذاءات الغوغاء في الحارات؛ هو الذي جعل بشنر يكتب ذلك الحوار الذي لم يسبقه إليه كاتب مسرحي في ألمانيا من قبل، ويخلق المسرح الذي نستطيع أن نسميه بالمسرح «الواقعي»، هذا إذا فهمنا الواقعية من خلال الحقيقة الإنسانية الحية، لا من خلال المذاهب والعقائد والنظريات، ويأتي بعد هذا المشهد في حجرة اللعب مشهد آخر في الشارع بين سكير بائس وزوجته القوادة وبعض المتسكعين المخربين بترديد الشعارات.
والمشهد يفيض بالسخرية والألم معا، ويصور اصطدام البطولة المهذبة بالوضاعة والتعاسة التي تسير حافية على أرض الطريق.
وبعد أن نعرف حكاية الزوجين البائسين، وندرك التناقض الواضح بينهما وبين عالم الخطب والوعود والآمال؛ نرى روبسبيير النزيه، رجل الثورة العنيد ومحاميها الجسور، بين طائفة من النساء والصعاليك ليبرز لنا هذا التناقض العجيب. لقد جعل من نفسه اللسان الناطق بأفكار الثورة، المدافع عن قسوتها وصرامتها، كما وضع نفسه بعيدا عن التضاد القائم بين المتشكك العارف والعاطفي المخلص؛ فأصبح تمثالا جامدا للفضيلة، لا يؤثر عليه الضحك ولا البكاء، ولكن هل ينتصر هذا الثائر الممل حقا أم يتحول إلى ترس في عجلة الثورة، وأداة من أدوات القتل والبؤس والتعذيب؟ الجواب على هذا يقدمه تاريخ الثورة الفرنسية نفسها، كما يعطيه المشهد السادس من الفصل الأول، الذي يلتقي فيه البطلان المشهوران، ويحاول كل منهما - على الرغم من القناع الذي يضعه على وجهه - أن ينظر في فؤاد صاحبه.
يقول دانتون لروبسبيير: «أليس فيك إذن شيء يهمس في الخفاء قائلا: أنت تكذب، تكذب؟» وعندما ينصرف دانتون نسمعه يقول لنفسه لست أدري ما الذي يكذب في صاحبه. إنه يحاول أن يمزق القناع الذي فرضه على نفسه، ويستمع إلى قلبه الذي يهمس له بصوت خافت أنه بشر كغيره من البشر، وأن وراء النظريات المجردة والقوانين القاسية «أنا» وحيدة لا يصح أن تذوب في «النحن» المطلقة. ويمتد حديث روبسبيير مع نفسه حتى يكاد يتشكك في فضيلته، ويرتاب في الشعارات والعبارات المحفوظة، ويدرك أن الثورة قد أصبحت آلة تتحرك من تلقاء نفسها، كما أصبح هو نفسه قائدها وضحيتها في آن واحد.
Page inconnue