الخلق، وتقصيرك وتمامهم، ونقصانك والشفقة على الخلق كلهم، برهم وفاجرهم. وكمال الفتوة أن لا يشغلك عن الله شاغل. وقال معروف الكرخي ﵀: من ادعى الفتوة فليكن فيه ثلاث خصال: وفاءٌ بلا خلاف، وجودٌ بلا مدح، وعطاءٌ بلا سؤال.
ومن الفتوة أن يتأسف الإنسان على مفارقة إخوانه، وأن يختار ما أمكنه في الجمع بينهم. حدثنا أبو الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد، حدثنا أبو العباس المكاتب العاقولي، حدثنا محمد بن يزيد المبرد. قال: ذكر لي أن رجلًا من العرب كانت له جارية، وكان بها معجبًا، وكان موسرًا، فأنفق عليها ماله حتى ذهب ما في يديه، فكان يأتي إخوانه، فيسألهم، وينفق عليها، فبلغها ذلك، فقالت: لا تفعل، ولكن بعني فلعل الله أن يرزقنا اجتماعًا، فخرج بها إلى عمر بن عبيد الله بن معمر، وكان عامل فارس، فعرضها عليه فأعجبته، فقال له: بكم؟ فقال: بمائة ألف درهم، وهي خيرٌ من ذلك للرغبة في الموضع، فأخذها بذلك، فلما دفع المال وقبضه الرجل وأراد أن يخرج، أنشأت تقول:
هنيئًا لك المال الذي قد قبضته ... فلم يبق في كفي إلا تذكري
أقول لنفسي حين جاشت لمقلتي ... أقلي فقد بان الحبيب أو أكثري
أوب بهم في الفؤاد مبرح ... أناجي به قلبًا طويل التفكر