ومن الفتوة اختيار الخلوة والعزلة على الانبساط والصحبة. سمعت عبد الله ابن محمد بن اسفندياران بدامغان يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ ﵀ يقول: لكل شيء حصار، وحصار النفس الخلوة، وترك معاشر الخلق، فإنه من لم يكن معك، فهو عليك والمعينون قليل، والزمان غدار، فبادر قبل أن يبدأكم بك. وقال رجل لفتح الموصلي ﵀: أوصني. فقال: اخل بنفسك واعتزل الناس، يسلم لك دينك ومروءتك.
ومن الفتوة تصحيح مبادئ الأحوال ليتم لك تحقيق النهايات. سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: لا يرتقي في الدرجات العلى من لم يحكم فيما بينه وبين الله أوائل البدايات. وأوائل البدايات هي الفروض الواجبة، والأوراد الزكية، ومطايا الفصل. وعزائم الأمر. فمن أحكم ذلك، من الله عليه بما بعده.
ومن الفتوة حفظ السر مع الله أن يختلج فيه سواه. سمعت أبا نصر الطوسي يقول: قال أبو الفرج العكبري: قال لي الشبلي ﵀: يا أبا الفرج، في ماذا تذهب أوقاتك؟ قلت: زوجة وصبيان. فقال: وتدع وقتًا أعز من الكبريت الأحمر أن يضيع في غير الله! والنبي ﷺ يقول: «إن الله غيور يحب كل غيرو، وهو أن يغار على أوليائه أن يظهر علهم سواه» . فقال له أبو الفرج: فأنا غيور. فقال له الشبلي ﵀: غيرة البشرية للأشخاص، وغيرة الإلهية للوقت أن يضيع فيما سوى الله.
1 / 49