ودفعه إلى الفقير ليحمله، فلما بلغ باب المسجد، رآه الجنيد من بعيد، فقال: ارم وادخل. وأبوا أن يأكلوا من ذلك الطعام. ثم قال الخواص لصاحب الطعام: عظم مقدار الدنيا في عينك حتى تجعل الفقير حمالًا لطعامك، فما ذاقوا منه شيئًا.
ومن الفتوة رؤية المنع والعطاء من الله لئلا يخلق وجهه بالسؤال ولا يذل نفسه بالطمع. أنشدنا منصور بن عبد الله الهروي لابن الرومي:
لا أرى معطيًا لما منع الله ... ولا دافعًا لما يعطيه
إنما الجود والسماحة والبذل ... لمن يعطك، عفوًا وماء وجهك فيه
قبح الله نائلًا أن يجيد ... من يدي من أريد أن أقبضيه
ومن الفتوة أن يشاهد العبد النقصان في كل أحواله، ولا يرضى من نفسه بما هو فيه. سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: من علامة من تولاه الله في أحواله أن يشهد التقصير في إخلاصه، والغفلة في ذكره، والنقصان في صدقه، وتكون جميع أحواله غير مرضية، ويزداد فقرًا إلى الله في قصده وسيره، حتى يغنى عن كل مرادٍ له.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين أجمعين ويتلوه إن شاء الله تعالى
1 / 43