Les Illuminations de La Mecque

Ibn Arabi d. 638 AH
153

Les Illuminations de La Mecque

الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

1418هـ- 1998م

Lieu d'édition

لبنان

قد جمع الله فيه كل منقبة . . . فهو الكمال الذي ما فيه نقصان اعلم أيدك الله بروح القدس أن المعلومات مختلفة لأنفسها وأن الإدراكات التي تدرك بها المعلومات مختلفة أيضا لأنفسها كالمعلومات ولكن من حيث أنفسها وذواتها لا من حيث كونها إدراكات وإن كانت مسئلة خلاف عند أرباب النظر وقد جعل الله لكل حقيقة مما يجوز أن يعلم إدراكا خاصا عادة لا حقيقة أعني محلها وجعل المدرك بهذه الإدراكات لهذه المدركات عينا واحدة وهي ستة أشياء سمع وبصر وشم ولمس وطعم وعقل وإدراك جميعها للأشياء ما عدا العقل ضروري ولكن الأشياء التي ارتبطت بها عادة لا تخطىء أبدا وقد غلط في هذا جماعة من العقلاء ونسبوا الغلط للحس وليس كذلك وإنما الغلط للحاكم وأما إدراك العقل المعقولات فهو على قسمين منه ضروري مثل سائر الإدراكات ومنه ما ليس بضروري بل يفتقر في علمه إلى أدوات ست منها الحواس الخمس التي ذكرناها ومنها القوة المفكرة ولا يخلو معلوم يصح أن يعلمه مخلوق أن يكون مدركا بأحد هذه الإدراكات وإنما قلنا إن جماعة غلطت في إدراك الحواس فنسبت إليها الأغاليط وذلك أنهم رأوا إذا كانوا في سفينة تجري بهم مع الساحل رأوا الساحل يجري بجري السفينة فقد أعطاهم البصر ما ليس بحقيقة ولا معلوم أصلا فإنهم عالمون علما ضروريا أن الساحل لم يتحرك من مكانه ولا يقدرون على إنكار ما شاهدوه من التحرك وكذلك إذا طعموا سكرا أو عسلا فوجوده مرا وهو حلو فعلموا ضرورة أن حاسة الطعم غلطت عندهم ونقلت ما ليس بصحيح والأمر عندنا ليس كذلك ولكن القصور والغلط وقع من الحاكم الذي هو العقل لا من الحواس فإن الحواس إدراكها لما تعطيه حقيقتها ضروري كما أن العقل فيما يدركه بالضرورة لا يخطىء وفيما يدركه بالحواس أو بالفكر قد يغلط فما غلط حس قط ولا ما هو إدراكه ضروري فلا شك إن الحس رأى تحركا بلا شك ووجد طعما مرا بلا شك فأدرك البصر التحرك بذاته وأدرك الطعم قوة المرارة بذاته وجاء عقل فحكم إن الساحل متحرك وأن السكر مر وجاء عقل آخر وقال إن الخط الصفراوي قام يمحل الطعم فأدرك المرارة وحال ذلك الخلط بين قوة الطعم وبين السكر فإذن فما ذاق الطعم إلا مرارة الصفراء فقد أجمع العقلان من الشخصين على أنه أدرك المرارة بلا شك واختلف العقلان فيما هو المدرك للطعم فبان أن العقل غلط لا الحس فلا ينسب الغلط أبدا في الحقيقة إلا للحاكم لا للشاهد وعندي في هذه المسئلة أمر آخر يخالف ما ادعوه وهو أن الحلاوة التي في الحلو وغير ذلك من المطعومات ليس هو في المطعوم لأمر إذا بحثت عليه وجدت صحة ما ذهبنا إليه وكذا الحكم في سائر الإدراكات ولو كان في العادة فوق العقل مدرك آخر يحكم على العقل ويأخذ عنه كما يحكم العقل على الحس لغلط أيضا ذلك المدرك الحاكم فيما هو للعقل ضروري وكان يقول إن العقل غلط فيما هو له ضروري فإذا تفرد هذا وعرفت كيف رتب الله المدركات والإدراكات وإن ذلك الارتباط أمر عادي فاعلم أن لله عبادا آخرين خرق لهم العادة في إدراكهم العلوم فمنهم من جعل له إدراك ما يدرك بجميع القوى من المعقولات والمحسوسات بقوة البصر خاصة وآخر بقوة السمع وهكذا بجميع القوى ثم بأمور عرضية خلاف القوى من ضرب وحركة وسكون وغير ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين والآخرين فدخل في هذا العلم كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق فهذا علم حاصل لا عن قوة من القوى الحسية والمعنوية فلهذا قلنا إن ثم سببا آخر خلاف هذه القوى تدرك به المعلومات وإنما قلتا قد تدرك العلوم بغير قواها المعتادة فحكمنا على هذه الإدراكات لمدركاتها المعتادة بالعادة من أجل المتفرس فينظر صاحب افراسة في الشخص فيعلم ما يكون منه أو ما خطر له في باطنه أو ما فعل وكذلك الزاجر وأشباهه وإنما جئنا بهذا كله تأنيسا لما نريد أن ننسبه إلى أهل الله من الأنبياء والأولياء فيما يدركونه من العلوم على غير الطرق المعتادة فإذا أدركوها نسبوا إلى تلك الصفة التي أدركوا بها المعلومات فيقولون فلان صاحب نظر أي بالنظر يدرك جميع المعلومات وهذا ذقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفلان صاحب طعم وصاحب نفس وأنفاس يعني الشم وصاحب لمس وفلان صاحب معنى وهذا خارج عن هؤلاء بل هو كما يقال في العامة صاحب فكر صحيح فمن الناس من أعطى النظر إلى آخر القوى على قدر ما أعطى وهو له عادة إذا استمر ذلك عليه لأنه مشتق من العود أي يعود ذلك عليه في كل نظرة أو في كل شم ما ثم غير ذلك وكذلك أيضا لتعلم أن الأسماء الإلهية مثل هذا وأن كل اسم يعطى حقيقة خاصة ففي قوته أن يعطي كل واحد من الأسماء الإلهية ما تعطيه جميع الأسماء قال تعالى ' قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ' وكذلك لو ذكر كل اسم لقال فيه أن له الأسماء الحسنى وذلك لا حدية المسمى فاعلم ذلك فمن الناس من يختص به الاسم الله فتكون معارفه إلهية ومنهم من يختص به الاسم الرحمن فتكون معارفه رحمانية كما كانت في القوى الكونية يقال فيها معارف هذا الشخص نظرية وفي حق آخر سمعية فهو من عالم النظر وعالم السمع وعالم الأنفاس هكذا تنسب معارفه في الإلهيات إلى الاسم الإلهي الذي فتح له فيه فتندرج فيه حقائق الأسماء كلها فإذا علمت هذا أيضا فاعلم أن الذي يختص بهذا الباب من الأسماء الإلهية لهذا الشخص المعين الاسم الرحمن والذي يختص به من القوى فينسب إليها قوة الشم ومتعلقها الروائح وهي الأنفاس فهو من عالم الأنفاس في نسبة القوى ومن الرحمانيين في مراتب الأسماء فنقول إن هذا الشخص المعين في هذا الباب سواء كان زيدا أو عمرا معرفته رحمانية فكل أمر ينسب إلى الاسم الرحمن في كتاب أو سنة فإنه ينسب إلى هذا الشخص فإن هذا الاسم هو الممد له وليس لاسم إلهي عليه حكم إلا بوساطة هذا الاسم على أي وجه كان ولهذا نقول إن الله سبحانه قد أبطن في مواضع رحمته في عذابه ونقمته كالمريض الذي جعل في عذابه بالمرض رحمته به فيما يكفر عنه من الذنوب فهذه رحمة في نقمة وكذلك من انتقم منه في إقامة الحد من قتل أو ضرب فهو عذاب حاضر فيه رحمة باطنة بها ارتفعت عنه المطالبة في الدار الآخرة كما أنه في نعمته في الدنيا من الاسم المنعم أبطن نقمته فهو ينعم الآن بما به يتعذب لبطون العذاب فيه في الدار الآخرة أو في زمان التوبة فإن الإنسان إذا تاب ونظر وفكر فيما تلذذ به من المحرمات تعود تلك الصور المستحضرة عليه عذابا وكان قبل التوبة حين يستحضرها في ذهنه يلتذ بها غاية اللذة فسبحان من أبطن رحمته في عذابه وعذابه في رحمته ونعمته في نقمته ونقمته في نعمته فالمبطون أبدا هو روح العين الظاهرة أي شيء كان فهذا الشخص لما كانت معرفته رحمانية وكان الاسم الرحمن استوى على العرش فقال تعالى ' الرحمن على العرش استوى ' كانت همة هذا الشخص عرشية فكما كان العرش للرحمن كانت الهمة لهذه المعرفة محلا لاستوائها فقيل همته عرشية ومقام هذا الشخص باطن الأعراف وهو السور الذي بين أهل السعادة والشقاوة للأعراف رجال سيذكرون وهم الذين لم تقيدهم صفة كأبي يزيد وغيره وإنما كان مقامه باطن الأعراف لأن معرفته رحمانية وهمته عرشية فإن العرش مستوى الرحمن كذلك باطن الأعراف فيه الرحمة كما أن ظاهره فيه العذاب فهذا الشخص له رحمة بالموجودات كلها بالعصاة والكفار وغيرهم قال تعالى لسيد هذا المقام وهو محمد صلى الله عليه وسلم حين دعا على رعل وذكوان وعصية بالعذاب والانتقام فقال عليك بفلان وفلان وذكر ما كان منهم قال الله له إن الله ما بعثك سبابا ولا لعانا ولكن بعثك رحمة فنهى عن الدعاء عليهم وسبهم وما يكرهون وأنزل الله عز وجل عليه ' وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ' فعم العالم أي لترحمهم وتدعوني لهم لا عليهم فيكون عوض قوله لعنهم الله تاب الله عليهم وهداهم كما قال حين جرحوه اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون يريد من كذبه من غير أهل الكتاب والمقلدة من أهل الكتاب لا غيرهم فلهذا قلنا في حق هذا الشخص صاحب هذا المقام إنه رحيم بالعصاة والكفار فإذا كان حاكما هذا الشخص وأقام الحد أو كان ممن تتعين عليه شهادة في إقامة حد فشهد به أو أقامه فلا يقيمه إلا من باب الرحمة ومن الاسم الرحمن في حق المحدود والمشهود عليه لا من باب الانتقام وطلب التشفي لا يقتضيه مقام هذا الاسم فلا يعطيه حاله هذا الشخص قال تعالى في قصة إبراهيم ' إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ' ومن كان هذا مقامه ومعرفته وهذا الاسم الرحمن ينظر إليه فيعاين من الأسرار ذوقا ما بين نسبة الاستواء إلى العرش وما بين نسبة الأين إلى العماء هل هما على حد واحد أو يختلف ويعلم ما للحق من نعوت الجلال واللطف معا بين العماء والاستواء إذ قد كان في العماء ولا عرش فيوصف بالاستواء عليه ثم خلق العرش واستوى عليه بالاسم الرحمن وللعرش حد يتميز به من العماء الذي هو الاسم الرب وللعماء حد يتميز به عن العرش ولابد من انتقال من صفة إلى صفة فما كان نعته تعالى بين العماء والعرش أو بأي نسبة ظهر بينهما إذ قد تميز كل واحد منهما عن صاحبه بحده وحقيقته كما يتميز العماء الذي فوقه الهواء وتحته الهواء وهو السحاب الرقيق الذي يحمله الهواء الذي تحته وفوقه عن العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فهو عماء غير محمول فيعلم السامع أن العماء الذي جعل للرب أينية أنه عماء غير محمول ثم جاء قوله تعالى ' هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ' فهل هذا الغمام هو راجع إلى ذلك العماء فيكون العماء حالملا للعرش ويكون العرش مستوى الرحمن فتجمع القيامة بين العماء والعرش أو هو هذا المقام المقصود الذي فوقه هواء وتحته هواء فصاحب هذا المقام يعطي علم ذلك كله ثم إن صاحب هذا المقام يعطي أيضا من العلوم الإلهية من هذا النوع بالاسم الرحمن نزول الرب إلى سماء الدنيا من العرش يكون هذا النزول أو من العماء فإن العماء إنما ورد حين وقع السؤال عن الاسم الرب فقيل له أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه فقال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء فاسم كان المضمر هو ربنا وقال ينزل ربنا إلى السماء فيدلك هذا على أن نزوله إلى السماء الدنيا من ذلك العماء كما كان استواؤه على العرش من ذلك العماء فنسبته إلى السماء الدنيا كنسبته إلى العرش لا فرق فما فارق العرش في نزوله إلى السماء الدنيا ولا فارق العماء في نزوله إلى العرش ولا إلى السماء الدنيا ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول في هذا النزول إلى السماء الدنيا هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه هل من داع فأجيبه فهذا كله من باب رحمته ولطفه وهذا حقيقة الاسم الرحمن الذي استوى على العرش فنزلت هذه الصفة مع الاسم الرب إلى السماء الدنيا فهو ما أعلمناك به إن كل اسم إلهي يتضمن حكم جميع الأسماء الإلهية من حيث أن المسمى واحد فيعلم صاحب هذا المقام من هذا النزول الرباني السماوي ما يختص بالاسم الرحمن منه الذي قال به هل من تائب هل من مستغفر فإن الرحمن يطلب هذا القول بلا شك فهذا حظ ما يعلم صاحب هذا المقام من هذا النزول بلا واسطة ويعلم نزول الرب من العماء إلى السماء بوساطة الاسم الرحمن لأنه ليس للاسم الرب على صاحب هذا المقام سلطان فإنه كما قلنا الاسم الرحمن فلا يعلم من الاسم الرب ولا غيره أمرا إلا بالاسم الرحمن فيعلم عند ذلك بإعلام الرحمن إياه ما أراد الحق بنزوله من العماء إلى السماء على هذا الوجه هي معرفته ثم مما يختص بعلمه صاحب هذا المقام بوساطة الاسم الرحمن علم قول الله ' ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ' فأتى بياء الإضافة في السعة والعبودية فلم يأخذ من الله الأقدر ما تعطيه الياء خاصة ويتضمن هذا علمين علما بما فيه من العناية بعبده المؤمن فيأخذه من الاسم الرحمن بذاته وعلما بما فيه من سر الإضافة بحرف الياء فيأخذه من الله بترجمة الاسم الرحمن فيعلم أن للسعة هنا المراد بها الصورة التي خلق الإنسان عليها كأنه يقول ما ظهرت أسمائي كلها إلا في النشأة الإنسانية قال تعالى ' وعلم آدم الأسماء كلها ' أي الأسماء الإلهية التي وجدت عنها الأكوان كلها ولم تعطها الملائكة وقال صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته وإن كان الضمير عندنا متوجها أن يعود على آدم فيكون فيه رد على بعض النظار من أهل الأفكار ويتوجه أن يعود على الله لتخلقه بجميع الأسماء الإلهية فعلمت أن هذه السعة إنما قبلها العبد المؤمن لكونه على الصورة كما قبلت المرآة صورة الرائي دون غيرها مما لا صقالة فيه ولا صفاء ولم يكن هذا للسماء لكونها شفافة ولا للأرض لكونها غير مصقولة فدل على أن خلق الإنسان وإن كان عن حركات فلكية هي أبوه وعن عناصر قابلة وهي أمه فإن له من جانب الحق أمرا ما هو في آبائه ولا في أمهاته من ذلك الأمر وسع جلال الله تعالى إذ لو كان ذلك من قبل أبيه الذي هو السماء أو أمه التي هي الأرض أو منهما لكان السماء والأرض أولى بأن يسعا الحق ممن تولد عنهما ولاسيما والله تعالى يقول ' لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون يريد في المعنى لا في الجرمية ومع هذا فاختص الإنسان بأمر أعطاه هذه السعة التي ضاق عنها السماء والأرض فلم تكن له هذه السعة إلا من حيث أمر آخر من الله فضل به على السماء والأرض فكل واحد من العالم فاضل مفضول فقد فضل كل واحد من العالم من فضله لحكمة الافتقار والنقص الذي هو عليه كل ما سوى الله فإن الإنسان إذا زها بهذه السعة وافتخر على الأرض والسماء جاءه قوله تعالى ' لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ' وإذا زهت السماء والأرض بهذه الآية على الإنسان جاء قوله ' ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي ' فأزال عنه هذا العلم ذلك الزهو والفخر وعنهما وافتقر الكل إلى ربه وانحجب عن زهوه ونفسه وقوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون يدل على أن بعض الناس يعلم ذلك وعلم هذا من علمه منا من الاسم الرحمن الذي هو له وبه تحقق فسل به خبيرا فرحمه عندما زها بعلم ما فضل به على السماء والأرض وعلم من ذلك أنه ما حصل له من الاسم الرحمن إلا قدر ما كشف له مما فيه دواؤه فإن ذلك الأمر الذي به فضل السماء والأرض هذا العبد هو أيضا من الاسم الرحمن ما جاد به على هذا العبد ولا تقول إن هذا طعن في كونه نسخة من العالم بل هو على الحقيقة نسخة جامعة باعتبار أن فيه شيأ من السماء بوجه ما ومن الأرض بوجه ما ومن كل شيء بوجه ما لا من جميع الوجوه فإن الإنسان على الحقيقة من جملة المخلوقات لا يقال فيه أنه سماء ولا أرض ولا عرش ولكن يقال فيه أنه يشبه السماء من وجه كذا والأرض من وجه كذا والعرش من وجه كذا وعنصر النار من وجه كذا وركن الهواء من وجه كذا والماء والأرض وكل شيء في العالم فهذا الاعبار يكون نسخة وله اسم الإنسان كما للسماء اسم السماء ومن علوم صاحب هذا المقام نزول القرآن فرقانا لا قرآنا فإذا علمه قرآنا فليس من الاسم الرحمن وإنما الاسم الرحمن ترجم له عن اسم آخر إلهي يتضمنه الاسم الرحمن وأنه نزل في ليلة مباركة وهي ليلة القدر فعرف بنزوله مقادير الأشياء وأوزانها وعرف بقدره منها كما نزل الرب تعالى في الثلث الباقي من الليل فالليل محل النزول الزماني للحق وصفته التي هي القرآن وكان الثلث الباقي من الليل في نزول الرب غيب محمد صلى الله عليه وسلم وغيب هذا النوع الإنساني فإن الغيب ستر والليل ستر وسمى هذا الباقي من الليل الثلث لأن هذه النشأة الإنسانية لها البقاء دائما في دار اخلود فإن الثلثين الأولين ذهبا بوجود الثلث الباقي أو الآخر من الليل فيه نزل الحق فأوجب له البقاء أيضا وهو ليل لا يعقبه صباح أبدا فلا يذهب لكن ينتقل من حال إلى حال ومن دار إلى دار كما ينتقل الليل من مكان إلى مكان أمام الشمس وإنما يقر أمامها لئلاى تذهب عينه إذ كان النور ينافي الظلمة وتنافيه غير أن سلطان النور أقوى فالنور ينفر الظلمة والظلمة لا تنفر النور وإنما هو النور ينتقل فتظهر الظلمة في الموضع الذي لا عين للنور فيه ألا ترى الحق تسمى بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة عدما وإذا وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب فسمى نفسه نورا فتذهب السماء وهو الثلث الأول من الليل وتذهب الأرض وهو الثلث الثاني من الليل ويبقى الإنسان في الدار الآخرة أبد الآبدين إلى غير نهاية وهو الثلث الباقي من الليل وهو الولد عن هذين الأبوين السماء والأرض فنزل القرآن في الليلة المباركة في الثلث الآخر منها وهو الإنسان الكامل ففرق فيه كل أمر حكيم فتميز عن أبويه بالبقاء نزل به الروح الأمين على قلبك هو محمد صلى الله عليه وسلم ألا ترى الشارع كيف قال في ولد الزنى أنه شر الثلاثة وكذلك ولد الحلال خير الثلاثة من هذا الوجه خاصة فإن الماء الذي خلق منه الولد من الرجل والمرأة أراد الخروج وهو الماء الذي تكون منه الولد وهو الأمر الثالث فحرك لما أراد الخروج الأبوين للنكاح ليخرج وكان تحريكه لهما على غير وجه مرضي شرعا يسمى سفاحا فقيل فيه أنه شر الثلاثة أي هو سبب الحركة التي بها انطلق عليهم اسم الشر فجعله ثلاثة أثلاث الأبوان ثلثان والولد ثالث كذلك قسم الليل على ثلاثة أثلاث ثلثان ذاهبان وهما السماء والأرض وثلث باق هو الإنسان وفيه ظهرت صورة الرحمن وفيه نزل القرآ ، وإنما سميت السماء والأرض ليلا لأن الظلمة لها من ذاتها والإضاءة فيها من غيرها من الأجسام المستنيرة التي هي الشمس وأمثالها فإذا زالت الشمس أظلمت السماء والأرض فهذا يا أخي قد استفدت علوما لم تكن تعرفها قبل هذا وهي علوم هذا الشخص المحقق بمنزل الأنفاس وكل ما أدركه هذا الشخص فإنما أدركه من الروائح بالقوة الشمية لا غير وقد راينا منهم جماعة بإشبيلةية وبمكة وبالبيت المقدس وفاوضناهم في ذلك مفاوضة حال لا مفاوضة نطق كما أني فاوضت طائفة أخرى من أصحاب النظر البصري بالبصر فكنت أسأل وأجاب ونسأل ونجيب بمجرد النظر ليس بيننا كلام معتاد ولا اصطلاح بالنظر أصلا لكن كنت إذا نظرت إليه علمت جميع ما يريده مني وإذا نظر إلي علم جميع ما نريده منه فيكون نظره إلي سؤالا أو جوابا ونظري إليه كذلك فنحصل علوما جمة بيننا من غير كلام ويكفي هذا القدر من بعض علم هذا الشخص فإن علومه كثيرة أحطنا بها فمن أراد أن يعرف مما ذكرناه شيأ فليعلم الفرق بين في في قوله كان في عماء وبين استوى في قوله الرحمن على العرش استوى ولم يقل في كما قال في السماء وفي الليل ويتبين لك في كل ما ذكرناه مقام جمع الجمع ومقام الجمع ومقام التفرقة ومقام تمييز المراتب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء التاسع عشر .

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الخامس والثلاثون في معرفة هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس

وأسراره بعد موته رضي الله عنه

البعد من كان في حال الحياة به . . . كحاله بعد موت الجسم والروح

والعبد من كان في حال الحجاب به . . . نورا كإشراق ذات الأرض من يوح

فحالة الموت لا دعوى تصاحبها . . . كما الحياة لها الدعوى بتصريح

في حق قوم وفي قوم تكون لهم . . . تلك الدعاوى بإيماء وتلويح

فإن فهمت الذي قلناه قمت به . . . وزنا تنزه عن نقص وترجيح

وكنت ممن تزكيه حقائقه . . . ولا سبيل إلى طعن وتجريح

Page 281