المنارة وأنقاض القبة العليا أمثال الجبال، وأحرقت النار كل ما عدا الحجرة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، حتى الحجارة احترقت واسوَدّت.
ولما انطفأت النار نظر الناس فإذا مكان المسجد جبل من الأنقاض، فعمل أمير المدينة وعلماؤها ووجوهها وعامة أهلها، حتى النساء والصبيان، على إزالة الأنقاض وتنظيف المسجد، وأرسلوا مَن يخبر السلطان المصلح العظيم قايتباي صاحب المآثر العمرانية الباقية، فتوجّه بنفسه وعمل على عمارته من جديد، بأساطينه وأقواسه وقبّته ومآذنه، فكان تحفة عمرانية باقيًا له ولمن عمل معه ثوابُها إن شاء الله.
* * *
أنتقل بكم الآن إلى دمشق، إلى ما قبل أربع وسبعين سنة فقط، ففي ضَحْوة يوم السبت رابع ربيع الثاني سنة ١٣١١ كانت دمشق آمنة مطمئنة، وقد انصرف الناس إلى أعمالهم في الأسواق المُطيفة بالأموي، والنساء في بيوتهن الحافّة بالجامع، فما راعهم إلا صَريخ يصرخ كأنه النذير العُرْيان أنْ لقد احترق الأموي!
فترك التجّار مخازنهم مفتوحة ووثبوا ينظرون، وصعدت النساء على السطوح، وتراكض الناس من كل جهة، وإذا الدخان ينبعث من سقف الجامع! ولم يكن في دمشق مصلحة إطفاء (وقد أُنشِئت على إثر الحادث)، وحار الناس ماذا يصنعون، فاستَبَقوا إلى سجّاد المسجد ومصاحفه يُخرجون ما يصلون إليه منها، وعمد بعضهم إلى الماء يصبّونه وإلى المعاول علّهم يحصرون
1 / 38