[مُقَدَّمَة الْمُؤَلَّف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ يَسِّرْ بِرَحْمَتِكَ وَلَا تُعَسِّرْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَآلِهِ [وَصَحْبِهِ] أَجْمَعِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَمَالُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْمُظَفَّرِ أَسْعَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّيْسَابُورِيُّ الْكَرَابِيسِيُّ ﵁: هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْتَقَطْتُهَا مِنْ الْكُتُبِ لَيْسَ فِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ إلَّا خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ﵃ وَسَمِعْتُ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا الْعُلَا صَاعِدَ بْنَ مُحَمَّدٍ - أَنَارَ اللَّهُ بُرْهَانَهُ وَثَقَّلَ بِالْخَيْرَاتِ مِيزَانَهُ - أَظْهَرَ الْفُرْقَانَ بَيْنَهَا فَاسْتَحْسَنْتُهَا، وَأَرَدْتُ أَنْ أُفْرِدَهَا لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا، وَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ ﷾ عَلَى إتْمَامِهَا، فَنِعْمَ الْمُعِينُ، وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
1 / 33
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
ِ وَالصَّلَاة
١ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀: إذَا خَرَجَ الدُّودُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ؛ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ.
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجُرْحِ لَمْ يُنْتَقَضْ. الْفَرْقُ: أَنَّ الدُّودَ لَا يَخْلُو مِنْ قَلِيلِ بَلَّةٍ تَكُونُ مَعَهَا وَتَصْحَبُهَا، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ قَلِيلُ نَجَاسَةٍ، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ؛ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ. وَأَمَّا فِي الْجُرْحِ فَالدُّودُ لَا يَخْلُو مِنْ قَلِيلِ بَلَّةٍ، وَتِلْكَ الْبَلَّةُ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ، وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ؛ لَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ. وَلِأَنَّ الدُّودَ حَيَوَانٌ، وَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْأَصْلِ، وَالشَّيْءُ الطَّاهِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْجَبَ نَقْضَ الْوُضُوءِ، كَالرِّيحِ. وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ؛ لَمْ يُوجِبْ نَقْضَ الْوُضُوءِ، كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ: بِأَنَّ الدُّودَ مِنْ الْجُرْحِ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّحْمِ مِنْ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانٍ [مِنْ غَيْرِ]
1 / 34
السَّبِيلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ كَذَا هَذَا. وَأَمَّا فِي السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَتِلْكَ النَّجَاسَةُ لَوْ خَرَجَتْ بِانْفِرَادِهَا أَوْجَبَتْ نَقْضَ الْوُضُوءِ، فَكَذَلِكَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إذَا خَرَجَ.
٢ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ﵁ فِي " النَّوَادِرِ: إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ؛ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ. وَإِذَا وَقَعَ الْبَوْلُ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَمْ يُنْتَقَضْ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَصَبَةَ الْأَنْفِ يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ، وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ، فَهَذِهِ نَجَاسَةٌ سَالَتْ بِنَفْسِهَا إلَى طَاهِرٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَقَضَ بِهِ الْوُضُوءُ، كَمَا لَوْ زَايَلَ الدَّمُ رَأْسَ الْجُرْحِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَصَبَةُ الذَّكَرِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْرَضُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ، وَلَا يُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ، فَلَمْ تَصِلْ النَّجَاسَةُ إلَى مَوْضُوعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، فَلَمْ يُنْتَقَضْ الْوُضُوءُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْعُرُوقِ.
1 / 35
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ﵀ فِي " نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ ": إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ خُفَّهُ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَرَّهَا عَلَى خُفِّهِ لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى يُعِيدَهَا فِي الْمَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حِينَ أَزَالَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا فَذَلِكَ مَاءٌ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، فَجَعَلَ الْمَاءَ بِمُزَايَلَتِهِ الْمَوْضِعَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَسْحِ.
وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَمَرَّهَا إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَلَوْ أَنَّهُ صَبَّ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَنَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ ثَانٍ جَازَ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا سَوَاءٌ كَانَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ فَالْمَاءُ الَّذِي عَلَيْهِ لَمْ يَصِلْ بِنَفْسِهِ إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَدُّهَا إلَى رُبْعِ الرَّأْسِ، وَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ، كَمَا لَا يَجُوزُ مَدُّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ وَالرِّجْلِ. وَأَمَّا فِي الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ [فَإِنَّهُ] بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ إلَى رُبْعِ رَأْسِهِ بِأَنْ يَنْحَدِرَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَمُرَّهَا عَلَيْهِ، وَيَمُدَّهَا إلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْجُنُبِ إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى عُضْوٍ ثُمَّ مَدَّهُ إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَلِكَ هَذَا.
1 / 36
يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِلَّةَ الْمَاءِ يَمْنَعُ سَيَلَانَهُ بِنَفْسِهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى وَصْفِهِ فَأُضِيفَ إلَى فَاعِلِهِ، فَصَارَ هُوَ مُسْتَعْمَلًا لَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعْمَلَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَلِكَ هَذَا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ أَوْجَبَتْ سَيَلَانَهُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ سَيَلَانُهُ مِنْ مُقْتَضَى وَصْفِهِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ وَلَمْ يُعْطَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ. وَلِهَذَا قُلْنَا: اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ رَمَى طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ؛ حَلَّ. وَلَوْ وَقَعَ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ؛ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مُقْتَضَى رَمْيِهِ فَكَأَنَّهُ تَلِفَ بِالرَّمْيِ، فَيُضَافُ مَوْتُهُ إلَى الرَّامِي، وَمَوْتُهُ فِي وُقُوعِهِ. وَوُقُوعُهُ عَلَى سِنَانِ الرُّمْحِ أَوْ فِي الْمَاءِ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الرَّمْيِ؛ فَلَمْ يُضَفْ إلَى الرَّامِي، فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، كَذَلِكَ هَذَا.
1 / 37
إذَا مَسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ ثُمَّ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ.
وَإِنْ كَانَ السُّقُوطُ عَنْ بُرْءٍ لَزِمَهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، كَمَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إذَا نَزَعَ الْخُفَّ بَعْدَ مَا مَسَحَ عَلَيْهِمَا.
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى شَدِّ الْجَبَائِرِ، فَجَازَ لَهُ الْمُضِيُّ عَلَى صَلَاتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ أَوْ سَقَطَتْ الْجَبَائِرُ عَنْ بُرْءٍ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ بِالْحَدَثِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى السُّقُوطِ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِي تَرْكِهِ مَا دَامَ لَابِسًا لِلْخُفَّيْنِ وَمَا دَامَتْ الْجَبَائِرُ عَلَى الْجُرْحِ فَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ أَوْ نَزَعَ الْخُفَّ لَزِمَهُ غَسْلُهُمَا بِمَعْنًى مُتَقَدِّمٍ عَلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْحَدَثُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ، وَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
٥ - وَلِصَاحِبِ الْجُرْحِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ. وَلَيْسَ لِلْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُقِيمًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَعَادَ إلَى مَسْحِ
1 / 38
مِثْلِهِ، وَالطَّهَارَةُ لَا تُنْتَقَضُ إلَى طَهَارَةٍ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، كَذَلِكَ هَذَا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُلْنَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ مَسْحُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ لَرَجَعَ إلَى الْوُضُوءِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُنْتَقَضَ الْمَسْحُ إلَى الْغَسْلِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، وَهَذَا جَائِزٌ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ.
٦ - كَافِرٌ مَيِّتٌ غُسِّلَ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ؛ يُنَجِّسُهُ. وَإِنْ غُسِّلَ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ ثُمَّ أُوقِعَ فِي مَاءٍ؛ لَمْ يُنَجِّسْهُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّا حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَاسْتَوَى وُجُودُ الْغُسْلِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِطَهَارَتِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَثَوْبٍ نَجِسٍ غُسِلَ ثُمَّ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إنَّهُ لَوْ صَلَّى وَهُوَ حَامِلٌ شَهِيدًا عَلَى ثَوْبِهِ دَمٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ كَذَلِكَ هَذَا.
٧ - قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا كَانَ جُنُبًا وَلَا يَجِدُ مَاءً، وَفِي الْمَسْجِدِ عَيْنُ مَاءٍ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقَعَ فِي الْعَيْنِ لِصِغَرِهَا وَلَمْ
1 / 39
يَكُنْ مَعَهُ مَا يَسْتَقِي بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ، فَالتَّيَمُّمُ الَّذِي وَقَعَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ. وَلَوْ تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ السُّجُودَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا وَقَعَ التَّيَمُّمُ لِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ جَازَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ لِلتَّطَوُّعِ جَازَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَلَا هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَلَمْ يَقَعْ التَّيَمُّمُ لِجِنْسِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِهِ كَذَلِكَ هَذَا.
[كِتَاب الصَّلَاة]
٨ - وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ، إذَا كَانَ مُسَافِرًا، رَاكِبًا إنْ شَاءَ، وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ، وَلَمْ يُشْرَعْ مَوْصُولًا بِالصَّلَاةِ، وَالْإِعْلَامُ يَحْصُلُ إذَا كَانَ رَاكِبًا، وَسُنَنُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا، كَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ بِالنُّزُولِ لَا يُمْنَعُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا فِي السَّفَرِ.
وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فَسُنَنُ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا رَاكِبًا
1 / 40
فِي الْمِصْرِ كَذَلِكَ الْأَذَانُ. وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَشُرِعَتْ مَوْصُولَةً بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا أَقَامَ رَاكِبًا أَدَّى إلَى الْفَصْلِ بَيْنَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الْإِقَامَةِ بِالنُّزُولِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، فَلَا يُقِيمُ رَاكِبًا.
٩ - وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا كَانَ مُسِيئًا. وَالْمُقِيمُ إذَا تَرَكَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَصَلَّى وَحْدَهُ، وَاكْتَفَى بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ لَا يَكُونُ مُسِيئًا.
وَالْفَرْقُ: أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ تَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَيِّتًا وَحْدَهُ فِي الْمَفَازَةِ فَعَلَيْهِ دَفْنُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُقِيمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ يَقُومُ بِهَا الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا مَنْ يَقُومُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُؤَذِّنُونَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُقِيمُونَ، فَلَا يَكُونُ هُوَ مَأْمُورًا بِهَا، كَمَا لَوْ وَجَدَ مَيِّتًا فِي الْمِصْرِ وَوَجَدَ مِنْ يُوَارِيهِ وَيَقُومُ بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ آثِمًا كَذَلِكَ هَذَا.
وَفَرْقٌ آخَرُ: أَنَّ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فِي الْمِصْرِ وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ وَلِإِخْبَارِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ أُمِرَ بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ لَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِعَادَةِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَا يَقَعُ لِجَمَاعَةٍ أُخْرَى، بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِالْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فَلَا يَقَعُ لَهُمْ فَأُمِرُوا بِهِ.
1 / 41
وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَذَانُ أَهْلِ الْمِصْرِ لَمْ يَقَعْ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِصْرِ لِيُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ كَالْجَمَاعَةِ فِي الْمِصْرِ.
١٠ - وَإِذَا أَذَّنَتْ امْرَأَةٌ جَازَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَلَوْ أَذَّنَ السَّكْرَانُ أَوْ الْمَجْنُونُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَادَ.
وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ، وَقَوْلُ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ؛ إذْ النَّاسُ لَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَأْتِيَا بِهِ عَلَى نَظْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ، فَصَارَ كَأَذَانِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَذَانُهَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ أَنْ تَأْتِيَ بِالْحُرُوفِ عَلَى نَظْمِهَا وَتَرْتِيبِهَا، وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهَا يُقْبَلُ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا، كَذَلِكَ هَذَا.
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَادَ فِي الْمَجْنُونِ وَلَا يُعَادَ فِي الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْجُمُعَةِ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ عَنْهَا فَجَازَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْأَذَانِ كَالصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَالْبَالِغِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ
1 / 42
وَالسَّكْرَانُ فَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمَا يُجَنَّبَانِ الْمَسْجِدَ فَصَارَا كَالصَّبِيِّ الصَّغِيرِ.
١١ - وَيَقْضِي الْفَوَائِتَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ. وَلَا يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَلَا يُصَلِّي الْمَنْذُورَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَضَاءَ الْفَوَائِتِ وَسَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْمَعُ الْآيَةَ مِنْ غَيْرِهِ فَتَلْزَمُهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، كَذَلِكَ يَحْضُرُ الْجِنَازَةَ فَتَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا بِفِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ جَازَ أَدَاؤُهَا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ. وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالْمَنْذُورَةُ فَوُجُوبُهُمَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ؛ إذْ لَوْلَا طَوَافُهُ وَنَذْرُهُ لَمَا لَزِمَهُ فَصَارَ كَوُجُوبِهِمَا بِشُرُوعِهِ فِيهِمَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَلَاةٍ مُتَطَوِّعًا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِتَجِبَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَدَاؤُهَا فِيهِمَا، كَذَلِكَ هَذَا.
1 / 43
إذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ حَالَةَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِانْتِصَافِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَلَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ أَرْكَانٌ مِثْلُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَابْتِدَاءُ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَابْتِدَاءُ الصَّوْمِ صَوْمٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ هُوَ إلَّا الْإِمْسَاكُ فَوُجِدَ الْفِعْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَجَازَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ.
وَفَرْقٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا وُجِدَ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، وَالتَّكْبِيرُ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، فَانْعَقَدَتْ التَّحْرِيمَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ، فَجَازَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ مِنْ الصَّوْمِ وَجُزْءٌ مِنْهُ، فَوُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَطْعِهِ، فَإِذَا قَطَعَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَائِهِ. وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ قَوْلٌ، فَقَدْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِ، فَصَارَ كَإِيجَابِهِ بِالنُّذُورِ. وَالشُّرُوعُ فِي الصَّوْمِ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ، فَجَازَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ حُكْمُهُ عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِإِبْطَالِهِ، كَمَا لَوْ دَفَعَ دَرَاهِمَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَارْتَجَعَ لَمْ يَضْمَنْ كَذَلِكَ هَذَا.
1 / 44
وَإِذَا أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِدَادُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ. وَلَوْ ذَكَرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فَخَرَّ سَاجِدًا لَهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: إنِّي احْتَسَبْتُ بِذَلِكَ الرُّكُوعِ جَازَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ إتْمَامَ الرُّكُوعِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِتْمَامُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يُعْتَدُّ بِالِانْحِطَاطِ خُرُوجًا، صَارَ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَجَازَ. وَأَمَّا إذَا ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَاجِبٌ، فَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يُعْتَدُّ بِذَهَابِهِ خُرُوجًا مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لَجَعَلْنَاهُ مُتَمِّمًا لَهُ، فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، وَأَدَاءُ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ، فَلَا نَجْعَلُهُ خَارِجًا، فَلَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ.
١٤ - الْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ. وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ يُفْسِدُ الصَّلَاةِ.
1 / 45
وَالْفَرْقُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُؤْتَمِّ، فَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ، فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالْمُنْفَرِدِ إذَا قَرَأَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا فَتَحَ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ لَيْسَتْ بِقِرَاءَةٍ لَهُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حُكْمِ صَلَاتِهِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا لَهُ وَخَاطَبَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ تَعَلَّمَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَلِكَ هَذَا.
١٥ - وَإِذَا مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْمَوْتِ أَوْ النَّارِ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ وَاسْتَغْفَرَ، وَهُوَ وَحْدَهُ فِي التَّطَوُّعِ، فَذَلِكَ حَسَنٌ. وَإِنْ كَانَ إمَامًا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا فَهُوَ فِيمَا يَقِفُ يُشَكِّكُ الْقَوْمَ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُ أُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَيَفْتَحُونَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، «وَقَالَ النَّبِيُّ ﵇ لِمُعَاذٍ: صَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ»، فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا إلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْكِيكِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ تَطَوُّعٌ، وَالتَّدَبُّرُ تَطَوُّعٌ، فَاسْتَوَيَا فَإِنْ شَاءَ وَقَفَ وَتَدَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ.
1 / 46
وَإِذَا صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا فَقَدْ تَشَبَّهَ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَجَّهُونَ إلَى الصُّورَةِ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ لَا يَجُوزُ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . وَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ هَكَذَا وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ صَغَارًا وَمَذَلَّةً وَاسْتِخْفَافًا فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَطِئَ صَنَمًا بِقَدَمِهِ، وَلَوْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَلِكَ هَذَا.
١٧ - وَيَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ بِهِ، وَلَا يُعِيدُهُ إذَا سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ. وَلَوْ لَحِقَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ نَامَ أَوْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ انْتَبَهَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ
1 / 47
فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَمُتَابَعَتَهُ فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ، وَأَوْجَبَ الِانْفِرَادَ بِالْبَاقِي بَعْدَ فَرَاغِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَأَدَّى رَكْعَةً لَمْ يَجُزْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا انْفَرَدَ الْمَسْبُوقُ بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ، صَارَ مُنْفَرِدًا فِي مَحَلٍّ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ نَوَى فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ الِانْفِرَادَ وَقَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ اللَّاحِقُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فَقَدْ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَفْعَلَهَا كَمَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ، وَلَمْ يُوجِبْ الِانْفِرَادَ بِشَيْءٍ، وَالْإِمَامُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ كَذَلِكَ هُوَ يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي، لَصَارَ مُنَاقِضًا مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
١٨ - يَقْرَأُ الْمَسْبُوقُ فِيمَا يَقْضِي. وَلَا يَقْرَأُ اللَّاحِقُ.
فَرْقٌ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مَجْعُولٌ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ إمَامِهِ، وَلَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَقْرَأُ، كَذَلِكَ
1 / 48
هَذَا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَسْبُوقُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي مُنْفَرِدٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ غَيْرِهِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ.
١٩ - وَالْمَسْبُوقُ يُشَارِكُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. وَلَا يُتَابِعُهُ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَتَلْبِيَةِ الْإِحْرَامِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَدْخُلُ فِي التَّحْرِيمَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَحَلُّلٍ مِنْ بَعْدُ، وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ فِي مِقْدَارِ مَا يُصَلِّي، وَأَوْجَبَ الِانْفِرَادَ بِالْبَاقِي، وَسُجُودُ السَّهْوِ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِعَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ خَارِجَ التَّحْرِيمَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَلُّلِ مِنْ بَعْدُ، وَهُوَ إنَّمَا الْتَزَمَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي التَّحْرِيمَةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُهُ.
٢٠ - وَعَلَى الْمَسْبُوقِ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيمَا صَلَّى، وَلَا يَنْفَعُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ فِيمَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي. وَلَوْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقَامَ الْمُقِيمُ لِيَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ.
1 / 49
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ فِيمَا تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ إمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَيَيْنِ لَمْ يُعِدْ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، فَلَمْ يَقْتَدِ بِالْإِمَامِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقَعْ قِرَاءَتُهُ لِلْمُؤْتَمِّ، فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَصَلَّى خَلْفَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا يَقْضِي، لِتَحْصُلَ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ تَعَيَّنَ عَلَى الْإِمَامِ، فَقَدْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِهِ فِي صَلَاةٍ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ فِيهَا، فَجُعِلَتْ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُ، فَحَصَلَتْ لَهُ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْبَاقِي.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: قُلْت لِلْقَاضِي الْإِمَامِ: فَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَاقْتَدَى بِهِ هَذَا الْمَسْبُوقُ، فَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْإِمَامِ هَاهُنَا، فَوَجَبَ أَلَّا تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا يَقْضِي، قَالَ: لَا رِوَايَةَ هَاهُنَا. وَأَمَّا إذَا قَرَأَ هَذَا الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَنْفَعْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ، وَسُكُوتُهُ كَقِرَاءَتِهِ وَقِرَاءَتُهُ كَسُكُوتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا حُكْمُهُ كَذَلِكَ هَاهُنَا.
1 / 50
وَإِذَا كَانَ فِي الظُّهْرِ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ وَطَالَ تَفَكُّرُهُ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ، فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَإِنْ شَكَّ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي هَذِهِ، وَشَغَلَهُ تَفَكُّرُهُ عَنْ السُّجُودِ أَوْ الرُّكُوعِ حَتَّى طَوَّلَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ غَيَّرَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا بِمَا قَصَدَ بِهِ اسْتِصْلَاحَ هَذِهِ الصَّلَاةَ، فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا تَفَكَّرَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَمْ يَقَعْ لِمَعْنًى قَصَدَ بِهِ اسْتِصْلَاحَ صَلَاتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَلَمْ يَلْزَمْهُ سُجُودُ السَّهْوِ، كَمَا لَوْ الْتَفَتَ سَاهِيًا.
٢٢ - إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَسَهَا فِيهِمَا، فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فِيهِمَا، فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ سَلَامَ الْعَمْدِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ التَّطَوُّعِ تَقَعُ لِلرَّكْعَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَالسَّلَامُ شُرِعَ عَقِيبَ الرَّكْعَتَيْنِ فَوَقَعَ السَّلَامُ فِي مَحَلِّهِ، وَسَلَامُ الْعَمْدِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ مُنِعَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَقَدْ قَارَنَ الْبِنَاءَ مَا يَمْنَعُهُ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
1 / 51
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَافِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الْإِقَامَةَ صَارَتْ التَّحْرِيمَةُ لِلْأَرْبَعِ وَلَزِمَتْهُ الرَّكْعَتَانِ الْأُخْرَيَانِ لِحَقِّ التَّحْرِيمَةِ، فَصَارَ سَلَامُ الْعَمْدِ وَاقِعًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ، فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، بَنَى عَلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ كَذَلِكَ هَذَا.
٢٣ - اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ. وَاقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِحُّ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ ابْتِدَاءً أَنْ يَنْتَقِلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ انْتَقَلَ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ إمَامِهِ، وَبِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ اسْتِقْرَارًا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلَى فَرْضِ الْمُقِيمِ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ أَبْلَغُ فِي إلْزَامِ الْإِتْمَامِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمُقِيمُ صَلَاتَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ، وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ صَلَاةُ الْإِقَامَةِ، ثُمَّ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُقِيمِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ اسْتَقَرَّ الْفَرْضُ عَلَيْهِ
1 / 52