فهي وإن كانت عمياء، لا تخفى على المبصرين.
وإن طريق الحظ لأشبه الأشياء بطريق المجرة في السماء، إذ هي نجوم صغار لا تضيء الواحدة منها على انفرادها، ولكنها تضيء معا مجتمعات.
كذلك توجد في الناس صفات متفرقات قلما تبدو الواحدة منها للعيان، أو هي جملة من العادات والملكات توفق صاحبها إلى الجد والسعادة.
والإيطاليون يشيرون إلى بعضها، حيث لا تخطر على بال، فيقولون عمن يلازمه النجاح ولا تخيب رمية من رمياته: إنه قد ظفر بمسحة من توفيق الجنون.
والواقع أننا لا نعرف خلتين هما أدنى إلى النجاح كأن يرزق الإنسان قليلا من الجنون ولا يرزق كثيرا من الأمانة.
ولهذا لم يكن الغيورون على أوطانهم أو سادتهم قط مجدودين محظوظين، ولا يتأتى أن يكونوا كذاك؛ لأن الرجل الذي يعلق أفكاره بغيره لا يحسن أن يمضي لغايته ويسلك على جادته ومنهاجه.
وإن الحظ العجل ليخلق الرجل المغامر القلق الذي تتداوله الأطماع. أما الرجل القدير الركين، فإنما يخلقه الحظ الذي يجري على سنة الرياضة والتدريب.
والحظ حقيق بالتشريف والتقدير إن لم يكن لشيء، فلولديه الضمير والصيت، والأول في نفس الإنسان والثاني في نظرة الناس إليه.
على أن العقلاء كثيرا ما يتجنبون الحسد على فضائلهم بنسبتها إلى العناية، أو إلى الحظ والتوفيق؛ لأنهم بهذه النسبة يقدرون على التحلي بها واتخاذها ... فضلا عن العظمة التي يبلغها المرء، حين يكون أهلا للرعاية والاختصاص من مقادير السماء.
وهكذا قال قيصر للربان عند هياج العاصفة: إنك تحمل قيصر وحظه، واختار سلا
Page inconnue