La grande fitna, partie 1 : Othman
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Genres
وقد كانت لسعد زوجات كثيرات، ولكنهن كن متفرقات في قبائل العرب. ولم يتزوج من قريش إلا امرأة واحدة زهرية مثله. وكأن قوما كانوا يشكون في نسبه ويؤذونه بذلك، حتى أقبل ذات يوم على النبي فقال: يا رسول الله، من أنا؟ فقال له النبي: «أنت سعد بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، من قال غير ذلك فعليه لعنة الله.» وهذا فيما أرجح هو الذي قلل إصهاره إلى قريش. ويزعم بعض الرواة أن سعدا كان هواه مع علي أثناء الشورى، وأنه تحدث في ذلك إلى عبد الرحمن. ولكن هذا قد يصح وقد لا يصح، وقد أوصى عمر الخليفة من بعده إن صرفت الخلافة عن سعد أن يوليه؛ فإنه لم يعزله عن خيانة. وقد أنفذ عثمان هذه الوصية، فولى سعدا الكوفة عاما وبعض عام، ثم عزله وولى الوليد. وقد قدمنا رأينا فيما يروى من القصة التي دعت إلى عزل سعد. ونضيف إلى ما قدمنا أن الخلاف بين سعد وابن مسعود، على ما كان سعد قد اقترض من بيت المال، يروى أنه وقع بين الوليد بن عقبة وبين عبد الله بن مسعود. فأكبر الظن أن الذين أضافوا هذه القصة إلى سعد قد خلطوا بين الرجلين عن عمد أو عن خطأ. ومهما يكن من شيء فقد كان سعد وفيا ببيعته لعثمان. وسواء أغضب لعزله إياه أم لم يغضب فلم يكن عنيفا في معارضته، بل لم يكد يشارك في هذه المعارضة إلا حين كانت رفيقة لا تتجاوز النصح والأمر بالمعروف. فلما خرجت المعارضة عن طورها وقاربت أن تكون ثورة، كف سعد ولزم الحياد، ولم يشارك في الفتنة ولا في أعقابها. وكان إذا كلم في ذلك وسئل: لم لا تقاتل؟ قال: حتى تأتوني بسيف ينطق فيقول: هذا مؤمن وهذا كافر. وكأن سعدا تحرج من أن يظهر النكير على عثمان، فيتهم بأنه إنما يفعل ذلك لأنه ينقم من عثمان عزله عن الكوفة.
ومهما يكن من شيء، فقد لزم سعد السيرة التي سارها أيام النبي، فجاهد ما عرف الجهاد مع النبي وأيام عمر، فلما أشكل الأمر عليه اعتزل وترك الناس وما هم فيه. ولما مات سنة خمسين أو سنة خمس وخمسين، طلب أزواج النبي أن تمر جنازته عليهن، فمر به في المسجد وصلين عليه. ولم يترك سعد ثروة ضخمة حين مات بالقياس إلى أصحابه، وإنما ترك بين مائتي الألف وثلاثمائة الألف. وليس هذا بالشيء ذي الخطر كما رأيت وكما سترى.
الفصل السادس عشر
كانت قرابة الزبير بين العوام قريبة من النبي. فهو ابن عمته صفية بنت عبد المطلب، ومن خديجة أم المؤمنين. فهو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي؛ فخديجة عمته، فكان هو ابن عمة رسول الله، وكانت فاطمة بنت عمته. وقرابة الزبير من أبي بكر قريبة أيضا؛ فهو قد أصهر إليه، فتزوج ابنته أسماء ذات النطاقين، فزاد ذلك من قرابته من النبي، أصبح سلفه؛ فعائشة أم المؤمنين وأسماء بنت أبي بكر أختان. وبذلك كان الزبير يوشك أن يكون من آل بيت النبي، وكان من الغريب أن يقول له عثمان، وقد اختصما ذات يوم فقال الزبير: أنا ابن صفية. فقال عثمان: هي أدنتك من الظل، ولولاها لكنت ضاحيا. فهي أدنته من الظل ما في ذلك شك، ولكنه لولاها لم يكن ضاحيا.
وقد عرف الزبير منذ طفولته بالقوة والبأس والإقدام، ثم كان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدرا ثاني فارسين اثنين شهدا هذه الموقعة، ثم هو شهد المشاهد كلها مع النبي. وكان النبي يدعوه حواريه، فدعاه المسلمون منذ ذلك الوقت حواري رسول الله.
ولسنا نعرف كيف بدأت ثروة الزبير، ولكنا نعلم أنها لم تكن محدثة. فقد رأيت أنه كان أحد فارسين اثنين في غزوة بدر، وقد لزم المدينة بعد وفاة النبي، فلم يخرج منها أيام أبي بكر وعمر إلا بإذن من عمر أو للحج. وقد وضعه عمر في الشورى فكان مرشحا للخلافة، ولم يظهر ميلا إلى أحد المتنافسين علي وعثمان، وإنما أسلم الأمر إلى عبد الرحمن في غير جهد. وقد كان عثمان يؤثره بعد أن استخلف. ويروي ابن سعد أنه أعطاه ستمائة ألف، فجعل يسأل عن أحسن المال، فقيل له الأرض، فاشترى أرضا في العراق في المصرين جميعا، واشترى أرضا بمصر. ويقول ابن سعد: إنه لم يكن يحب أن يودع الناس عنده الودائع، وإنما كان إذا أراد أحد أن يودعه مالا قال: إنما هو قرض. كان يخاف على الوديعة أن تضيع من جهة، ويستبيح لنفسه بذلك استثمار هذه القروض من جهة أخرى. ولذلك عظمت ثروته حتى أصبحت مضربا للأمثال، وعظم دينه كذلك. وأوصى ابنه عبد الله يوم الجمل أن يؤدي عنه دينه من ماله؛ فإذا فرغ من ذلك أخذ ثلث الميراث لولده، ثم قسم سائره بين الورثة، وتقدم إليه إن تعسر عليه أداء شيء من الدين أن يستعين الله. فكان عبد الله بن الزبير يستعين الله مولى الزبير كلما وجد شيئا من مشقة في أداء دين أبيه.
وهم كثير من الدائنين أن يتركوا دينهم للورثة، ولكن عبد الله أبى وأدى الدين كله إلى أصحابه، وكان يبلغ مليونين ونصف مليون من الدراهم. والناس يختلفون في مقدار ما قسم على الورثة من تركة الزبير بعد أن لبث عبد الله أربعة أعوام ينادي في الناس بالموسم من كان له عند الزبير دين فليرفعه إلينا: فالمقللون يقولون إن الورثة اقتسموا فيما بينهم خمسة وثلاثين مليونا، والمكثرون يقولون إنهم اقتسموا اثنين وخمسين مليونا، والمعتدلون يقولون إنهم اقتسموا أربعين مليونا. ولا غرابة في ذلك؛ فقد كانت للزبير خطط في الفسطاط وخطط في الإسكندرية وخطط في البصرة وخطط في الكوفة، وإحدى عشرة دارا في المدينة، وكانت له بعد ذلك غلات وعروض أخرى.
وواضح أن الزبير لم يشتد في معارضة عثمان أول الأمر، فقد كان عثمان يؤثره ويعطيه على خصومة كانت بينهما وقتا ما. وكان عثمان يحب عبد الله بن الزبير ويؤثره، وقد أمره على الدار حين كان محاصرا، وأعطاه وصيته ليؤديها إلى أبيه، وكان عثمان قد أوصى إلى الزبير. وإنما شارك الزبير أصحاب النبي فيما كانوا يوجهون إلى عثمان من نقد ويسوقون إليه من نصح، ولا نعرف أنه اشتد عليه إلا أن يكون في ذلك شريكا لغيره من أصحاب النبي.
الفصل السابع عشر
وكان طلحة بن عبيد الله تيميا من رهط أبي بكر، وكان في جاهليته تاجرا، وكان صديقا لعثمان، وكانا قد خرجا معا في التجارة إلى الشام في العام الذي أسلما فيه. وقد كان طلحة من السابقين الأولين كأصحابه، ولم يصرفه الإسلام عن تجارته، وإنما كان يخرج إلى الشام بها. وقد لقي النبي في طريقه إلى المدينة مهاجرا ومعه أبو بكر، وكان هو عائدا من الشام، فأهدى إليهما، وأنبأهما بأن المسلمين في المدينة يستبطئون النبي. فأغذ رسول الله السير ليخفف عليهم من هذا الانتظار. ومضى طلحة إلى مكة، فأصلح أمره فيها، ثم لحق برسول الله في المدينة، فأقام معه بين أصحابه المهاجرين.
Page inconnue