La grande fitna, partie 1 : Othman
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
Genres
رقى إذن عبد الرحمن المنبر وجلس مجلس النبي، وقد اعتم بعمامة كان النبي قد عممه بها في إحدى خرجاته، ثم وقف فأطال الوقوف، ودعا دعاء لم يسمعه الناس، ثم قال: هلم إلي يا علي، فقام علي فسعى إليه، فبسط عبد الرحمن يده فأخذ بيد علي ثم قال له: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر؟ قال علي: اللهم لا، ولكني أحاول من ذلك جهدي وطاقتي. فأرسل يده، وقال: هلم إلي يا عثمان، فأقبل عثمان حتى وقف عند المنبر، وبسط عبد الرحمن يده، فأخذ يد عثمان وقال له: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر؟ قال عثمان: اللهم نعم. قال عبد الرحمن: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد. ثم قام الناس فبايعوا عثمان.
وبايع علي فيمن بايع لم يتردد. ويقال إنه تردد، فقال عبد الرحمن: يا علي، لا تجعل على نفسك سبيلا، ثم تلا الآية:
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما . فأقبل علي فبايع. وأكاد أقطع بأن عليا لم يتردد ولم يحتج إلى من يذكره بالعهد الذي أعطاه على نفسه، فعلي أوفى بالعهد وأكرم على نفسه من أن يحتاج إلى مثل هذا التنبيه، وسيرته كلها تنبئنا بذلك.
ولم ينقض هذا اليوم، وهو اليوم الأخير من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، حتى كان عثمان إماما يستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين في أثبت ما روى المؤرخون.
الفصل الخامس
وكان أول ما عرض لعثمان من الأحداث قبل أن يستتم اليوم الأول من أيام خلافته، قصة عبيد الله بن عمر الذي قتل الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة، وهي قصة امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا، فأبو لؤلؤة هو قاتل عمر؛ طعنه بخنجر ذي رأسين حين كان يتقدم للصلاة، فتكاثر الناس على أبي لؤلؤة فأخذوه، ولكنه قتل نفسه قبل أن يسأل في ذلك أو يجيب، وقال بعض الناس: إنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان، وكان قد أسلم، وجفينة وكان نصرانيا، قد خلصوا نجيا وفي أيديهم هذا الخنجر يقلبونه، فلما أقبل عليهم قاموا وسقط الخنجر من أيديهم. فلما مات عمر أقبل ابنه عبيد الله شاهرا سيفه حتى أتى الهرمزان فقتله، فيقول الرواة إنه لما أحس عض السيف قال: لا إله إلا الله. ثم أتى جفينة فقتله، فيقول الرواة إنه لما أحس الموت صلب بين عينيه. ثم أتى منزل أبي لؤلؤة فقتل ابنته، وبلغ الخبر صهيبا وكان على صلاة الناس، فأرسل إليه من يكفه من المسلمين، وقد انتهى إليه سعد بن أبي وقاص فساوره وما زال به حتى أخذ منه السيف، ثم حبس حتى يقضي الخليفة في أمره.
فلم تكد بيعة عثمان تتم حتى شاور المسلمين الذين حضروه في أمر عبيد الله هذا الذي ثأر لنفسه بنفسه وثأر لنفسه عن غير بينة، فقتل رجلا مسلما وقتل ذميين بغير الحق ودون أن يخوله السلطان قتلهما. فأما أهل البصيرة والفقه وفيهم علي فأشاروا بالقود؛ لأن عبيد الله قد تعدى حدود الله كما رأيت. وقال قوم كثير من المسلمين: يقتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم، وزعموا أن عمرو بن العاص قال لعثمان: قد أعفاك الله من هذه القضية، فقد حدث ما حدث وليس لك على المسلمين سلطان.
وقد اختلفت الرواة في الحكم الذي أمضاه عثمان في هذه القضية: فقوم يزعمون أن عثمان قضى بالقود ودفع عبيد الله إلى ابن الهرمزان ليقتله بأبيه. وأكثر المؤرخين يزعمون أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وولي من قتل عبيد الله، وقد عفوت وأدفع دية من قتل من مالي إلى بيت مال المسلمين. وهذا أشبه بسيرة عثمان، فما كان عثمان ليستفتح خلافته بقتل فتى من فتيان قريش وابن من أبناء عمر، وما كان عثمان ليهدر دم مسلم وذميين، وهو من أجل ذلك آثر العافية، فأدى دية القتلى من ماله الخاص إلى بيت مال المسلمين، وحقن دم عبيد الله بن عمر. وفي إمضائه الحكم على هذا النحو سياسة رشيدة لو نظر الناس إلى القضية نظرة سياسية خالصة. فلم يبعد من قال من المسلمين: يقتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم؟! ولو قد قتل عثمان عبيد الله بن عمر في القصاص لغير على نفسه قلوب آل الخطاب خاصة وبني عدي عامة، بل لغير قلوب قريش كلها وقلوب كثير من غير قريش. ولو قد عفا ولم يعقل القتلى لفتح بابا من أبواب الفوضى لا سبيل إلى إغلاقه.
ولكن هذه القضية ليست قضية سياسية فحسب، وإنما هي قضية دين أولا، ثم قضية سياسة بعد ذلك. ومن حق الإمام أن يعفو بشرط ألا يعطل عفوه حدا من حدود الدين.
ومن هنا نفهم أن كثيرا من المسلمين المتشددين لم يرضوا عن قضاء عثمان هذا؛ فكان من الأنصار من لبث يذكر عبيد الله بقتل الهرمزان وينذره بالاقتصاص منه، وكان زياد بن لبيد البياضي كلما لقيه قال له:
Page inconnue