La grande fitna (Deuxième partie) : Ali et ses fils
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Genres
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله
شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
أعيا المسود بها والسيدون فلم
يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان دعا رجلا من بني عبس فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه: «من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب» وأمره إذا دخل المدينة أن يرفع الطومار للناس حتى يقرءوا عنوانه ثم يدفعه بعد ذلك إلى علي، وأوصاه بما يقول لعلي إن حاوره في بعض ما قدم فيه، وأقبل العبسي حتى دخل المدينة، فرفع الطومار حتى عرف الناس أنه يحمل رد معاوية؛ فثار لذلك شوقهم إلى العلم بما في هذا الكتاب. وأكبر الظن أن كثيرا منهم تبعوا العبسي حتى بلغ باب علي فأدخل عليه ودفع إليه الطومار، فلما فضه علي لم يجد فيه شيئا مكتوبا إلا: «بسم الله الرحمن الرحيم» فسأل العبسي: ما وراءك؟ واستأمن العبسي، فلما أمن أنبأ عليا بأنه ترك أهل الشام وقد صمموا أن يثأروا لعثمان ونصبوا قميصه للناس وجعلوا يلتفون حوله يبكون، ثم أنبأه بأن أهل الشام يتهمونه بقتل عثمان ولا يرضون إلا أن يقتلوه به، ثم خرج العبسي، ولم يكد يفلت من الثائرين الساخطين على معاوية إلا بعد مشقة وجهد وعناء.
ثم دعا علي أعلام الناس في المدينة، وبينهم طلحة والزبير، فأنبأهم بما ارتفع إليه من أمر معاوية، وأنبأهم بأنها الحرب، وبأن الخير في أن يميتوا الفتنة قبل أن تستشري ويعظم أمرها وفي أن يغزوا أهل الشام قبل أن يغير عليهم أهل الشام، وكأنه لم يجد من الناس جوابا مقنعا ولا حماسة للحرب، وقد استأذنه طلحة والزبير في أن يلحقا بمكة، ولم يكونا في استئذانهما رفيقين وإنما أظهرا شيئا من شدة وعناد، وأنذرا بالمكابرة إن لم يأذن لهما، فقال علي: سنمسك هذا الأمر ما استمسك.
وكثير من المؤرخين يروون أن طلحة والزبير استأذنا عليا في الخروج إلى مكة معتمرين، وأن عليا أظهر لهما شيئا من الشك فيما صمما عليه، فأكدا له أنهما لا يريدان إلا العمرة. ومهما يكن من شيء فقد خرجا إلى مكة عن رضى أو عن كره من علي، وجعل علي يتجهز لحرب أهل الشام يريد أن يغير عليهم قبل أن يغيروا عليه، وإنه لفي ذلك إذ جاءته من مكة أنباء مقلقة غيرت رأيه وخطته ومصير أمره كله تغييرا تاما.
الفصل الخامس
وقد قتل عثمان - كما تعلم - أثناء الموسم، فكان كثير من أهل المدينة قد مضوا إلى حجهم ثم جعلوا يعودون بعد أن قضوا مناسكهم، وجعلت أنباء الكارثة تبلغهم في طريقهم إلى المدينة، فمنهم من سمع هذه الأنباء ثم أقبل إلى المدينة فبايع عليا، ومنهم من سمعها فرجع أدراجه إلى مكة معتزلا للفتنة أو منكرا لما كان من الأحداث مضمرا السخط والخلاف على الإمام الجديد، بل إن بعض أهل المدينة الذين شهدوا بيعة علي فبايعوا أو رفضوا البيعة قد جعلوا يتركون المدينة ويفرون بما أضمروا في نفوسهم من الخلاف أو الاعتزال إلى مكة؛ لأنها كانت حرما آمنا لا يغار عليه ولا يذعر من أوى إليه، فقد انطلق إلى مكة عبد الله بن عمر فارا بنفسه ودينه من الفتنة، وهم علي أن يرسل الخيل في طلبه لولا أن أقبلت بنته أم كلثوم، وكانت زوجا لعمر، فأكدت له أنه لم يخرج لفتنة ولا لخلاف. وخرج إلى مكة طلحة والزبير يظهران أنهما يريدان العمرة أو يظهران اعتزالهما لحرب معاوية ومن قبله من أهل الشام.
وأوى إلى مكة عمال عثمان الذين استطاعوا أن يأووا إليها: أوى إليها عبد الله بن عامر ويعلى بن أمية، كما أوى إليها كثير من بني أمية، منهم مروان بن الحكم وسعيد بن أبي العاص، وكان في مكة من أزواج النبي: حفصة بنت عمر، وأم سلمة، وعائشة بنت أبي بكر. وقد أخذت عائشة طريقها إلى المدينة بعد أن قضت مناسكها، وعرفت أثناء سفرها مقتل عثمان وخبرت بأن طلحة قد بويع له فأظهرت بذلك ابتهاجا؛ فقد كان طلحة مثلها تيميا، ولكنها لقيت في طريقها من أنبأها بحقيقة الأمر وبأن عليا هو الذي تمت له البيعة في المدينة؛ فضاقت بذلك ضيقا شديدا وأعلنت أنها كانت تؤثر انطباق السماء على الأرض قبل أن ترى عليا وقد أصبح للمسلمين إماما، ثم قالت لمن كان معها: ردوني. فرجعوا بها أدراجهم إلى مكة.
Page inconnue