La grande fitna (Deuxième partie) : Ali et ses fils
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Genres
والمؤرخون يحدثوننا بأن عمر أعطى زيادا ألف درهم، فلما عاد إليه من قابل سأله: ماذا صنعت بالألف؟ قال: اشتريت بها أبي عبيدا فأعتقته.
فقد عرف عمر إذن أن لزياد أبا هو عبيد، وكان عبيد هذا من الخمول بحيث لا يكاد الناس يعرفونه، فكانوا يضيفونه إلى أمه، فيقولون: زياد بن سمية، وربما لم يضيفوه إلى أمه ولا إلى أبيه فقالوا: زياد الأمير، وربما قال خصومه ومعارضوه من الشيعة والخوارج بعد عمله لمعاوية: زياد ابن أبيه.
وقد ظل زياد في البصرة يكتب لأمرائها أيام عمر وعثمان، فلما كان يوم الجمل وانتصر علي سأل عن زياد، فأنبئ بأنه مريض، فعاده، واستبان استعداده للنصح له، فهم علي أن يوليه البصرة، ولكن زيادا أشار عليه أن يجعل على هذا المصر رجلا من أهل بيته يهابه الناس ويطمئنون إليه، وذكر له ابن عباس، فولاه علي، وعمل زياد لعبد الله بن عباس كما عمل للولاة من قبله، فلما انصرف ابن عباس عن البصرة في قصته تلك التي ذكرناها آنفا، قام زياد مقامه وأحسن الحيلة والبلاء في الاحتفاظ بهذا المصر لعلي، على رغم ما كاد معاوية لانتزاعها منه.
ولما قتل علي واستبان أن الأمر صائر إلى معاوية تحول زياد إلى فارس، وكان قد استصلحها وأحبه أهلها، فاعتصم بقلعة هناك عرفت باسمه فيما بعد، وظل ينتظر حتى إذا استقام الأمر لمعاوية وبايعت له جماعة الناس، وكان زياد وحده متربصا في قلعته تلك يكره أن ينزل على حكم معاوية، أو أن يدخل فيما دخل فيه الناس، دون عهد من معاوية له بالأمان، وكان معاوية ضيقا بمكان زياد في قلعته تلك، كان يعلم مكره وكيده وبعد غوره في الدهاء وسعة حيلته، وكان يعلم أن عنده مالا كثيرا، وأن له أنصارا يتعصبون له من أهل فارس، وكان يكره أن ينتقض عليه وأن يبايع لرجل من أهل البيت، فيفسد عليه الجماعة ويخرجه من العافية إلى الحرب وسفك الدماء. وكانت لزياد يد عند المغيرة بن شعبة سبقت إليه أيام عمر، حين لجلج زياد في الشهادة فأعفاه من الحد، فتوسط المغيرة بين معاوية وبين زياد حتى أصلح بينهما، وأخذ لزياد ما أراد من الأمان، وقنع منه معاوية بمال قليل أداه إليه مما كان عنده من الخراج، وأذن له معاوية في أن ينزل من بلاد المسلمين حيث يشاء، فإن أحب العراق أقام فيها، وإن أحب الشام تحول إليها.
ولأمر ما خطر لزياد أو لمعاوية أو للمغيرة أن يتصل نسب زياد ببني أمية وبأبي سفيان خاصة، كأن أبا سفيان قد عرف سمية في بعض زيارته للطائف.
ويقال إن زيادا احتال حتى دس إلى معاوية من زعم له أن أهل العراق ينسبون زيادا إلى أبي سفيان، فانتهز معاوية هذه الفرصة ودعا إليه زيادا، ثم جمع الناس، فشهد الشهود بأن أبا سفيان قد عرف سمية، واكتفى معاوية بذلك، فألحق زيادا بأبي سفيان وجعله أخاه.
وواضح جدا ما في هذا الاستلحاق من التكلف والاحتيال، وقد أنكره الصالحون من المسلمين، حين أعلنه معاوية، وحرص عليه زياد أشد الحرص، وغضب له موالي زياد من بني ثقيف.
ويحدثنا البلاذري بأن معاوية أرضى سعد بن عبيد أخا صفية عن هذا الاستلحاق بما أعطاه من المال، ولكن يونس بن سعد لم يرض وأراد أن يصل إلى معاوية ليحاجه في هذا الاستلحاق فلم يستطع الوصول إليه، فلما حضرت الصلاة من يوم الجمعة ذهب يونس إلى المسجد وقطع على معاوية خطبته قائلا له: «اتق الله يا معاوية، فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قضى بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأنت قد جعلت للعاهر الولد وللفراش الحجر، وإن زيادا عبد عمتي وابن عبدها، فاردد إلينا ولاءنا.» فقال له معاوية: والله يا يونس لتكفن أو لأطيرن بك طيرة بطيئا وقوعها. قال يونس: أليس المرجع بعد بك وبي إلى الله عز وجل؟!
Page inconnue