ولو أن المسلمين تدارسوا سيرة الرسول ووقفوا على شمائله الكريمة وأخذوا إخذه، وحذوا حذوه، واهتدوا بهدايته، وفطنوا إلى مرامي سياسته، لكان منهم أكبر ساسة، ولسادوا العالم وناسه، كما كان من خريجيه وتلاميذه الصديق والفاروق وذي النورين وأبي تراب، وابن أبي سفيان
131
وسائر صحابته، وتابعيهم من المستنين بسنته، أولئك الذين أنعم الله عليهم، ونشئوا في حضانة صفيه وخيرته من خلقه، رضوان الله عليهم أجمعين. •••
قال الأديب الثقة: ولقد أنبهتك غير مرة إلى أن لغة أهل الجنة، غير لغة دار المحنة، ومن ثم كان كل ما أعزوه في هذا الحديث من القول إلى قائليه من أهل دار السلام أشبه بالمنقول من لغة إلى لغة، ولكن لا كالحسناء وخيالها في المرآة، لا، ولا من قبيل المترجم من لغة إلى لغة تضارعها أو تقاربها رفعة وسناء، أو أن المترجم يداني القائل الأصلي بلاغة وأداء، ولكن إذا كان لا بد من التشبيه فأشبه شيء بذلك - وللجنة ومن فيها المثل الأعلى - أن تعمد إلى رجل من العامة صلد الذهن، أغلف القلب، ران عليه الغباء
132
فتسمعه إحدى أوابد شوقي
133
وتقفه على مراميها، ثم تستعيده ما سمع وانظر ما أنت سامع ... ولقد أذكرني هذا التشبيه ما كان بين المعتمد بن عباد، أحد ملوك الطوائف بالأندلس، وبين يوسف بن تاشفين البربري ملك مراكش، وذلك أن ابن عباد أرسل إلى ابن تاشفين رسالة تمثل فيها ببيتي ابن زيدون:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا
شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
Page inconnue