Fiqh of Worship by al-Uthaymeen

Muhammad ibn Salih al-Uthaymin d. 1421 AH
58

Fiqh of Worship by al-Uthaymeen

فقه العبادات للعثيمين

Genres

السؤال (٨٧): فضيلة الشيخ، عرفنا حكم الصلاة وعلى من تجب، فما حكم ترك الصلاة؟ الجواب: حكم ترك الصلاة، أن تارك الصلاة كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وذلك بدلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والنظر الصحيح. أما الكتاب: ففي قوله تعالى عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (التوبة: ١١)، وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة، أن الله اشترط لثبوت الأخوة بين هؤلاء المشركين، وبين المؤمنين ثلاثة شروط: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإذا تخلف أحد هذه الثلاثة لم يكونوا إخوة لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر المخرج عن الملة، فإن المعاصي مهما عظمت إذا لم تصل إلى حد الكفر لا تخرج عن الأخوة في الدين، ألا ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص، فيمن قتل أخاه عمدًا، قال ﷿: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: ١٧٨)، فجعل الله تعالى القاتل أخًا للمقتول، مع أن قتل المؤمن عمدًا من أعظم الكبائر، ثم ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات: ٩-١٠)، فجعل الله الطائفة الثالثة المصلحة اخوة للطائفتين المقتتلتين، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب، وهذا يدل على أن الأخوة في الدين لا تنتفي بالمعاصي أبدًا إلا ما كان كفرًا. وشرح الآية المذكورة: أنهم إن بقوا على الشرك فكفرهم ظاهر، وإن آمنوا ولم يصلوا فكفرهم أيضًا ظاهر معلوم من الجملة الشرطية (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ) أي تابوا من الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، إلا أن مسألة الزكاة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يكفر الإنسان إذا تركها أو لا يكفر، وفيه عن أحمد روايتان. لكن الذي تقتضيه وتدل عليه السنة: أن تارك الزكاة لا يكفر، ويدل لذلك حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" (١)، فإن هذا الحديث يدل على أنه لا يكفر بمنع الزكاة إذ لو كفر لم يكن له سبيل إلى الجنة، وعلى هذا فتكون الزكاة خارجة من هذا الحكم بمقتضى دلالة السنة. أما الدليل من السنة على كفر تارك الصلاة، فقوله ﷺ فيما رواه مسلم من حديث جابر ﵁: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (٢)، ووجه الدلالة من الحديث: أنه جعل هناك فاصلًا بين الإيمان والكفر وهو الصلاة، وهو واضح في أنه لا إيمان لمن لم يصل، لأن هذا هو مقتضى الحد، إذ إن الحد يفصل بين المحدودين. وقوله "بين الرجل وبين الشرك والكفر"ولم يقل بين الرجل وبين كفر منكرًا، والكفر إذا دخلت عليه"أل" كان المراد به الكفر الحقيقي، بخلاف ما إذا كان منكرًا، كما في قوله ﷺ: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت" (٣)، فإن هذا لا يقتضي الخروج من الإسلام، لأنه قال: "هما بهم كفر" يعني هاتين الخصلتين. أما أقوال الصحابة ﵃، فقد قال عبد الله بن شقيق ﵀ " كان أصحاب محمد ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" (٤)، وقد نقل إجماعهم إسحاق بن راهويه ﵀ على أن تارك الصلاة كافر. وأما المعنى فنقول: كل إنسان عرف الصلاة وقدرها وعناية الشريعة بها، ثم يدعها بدون عذر، وليس له حجة أمام الله عز جل، فإن ذلك دليل واضح على أنه ليس في قلبه من الإيمان شيء، إذ لو كان في قلبه من الإيمان شيء ما ترك هذه الصلاة العظيمة، التي دلت النصوص على العناية بها وأهميتها، والأشياء تعرف بآثارها، فلو كان في قلبه أدنى مثقال من إيمان لم يحافظ على ترك هذه الصلاة مع أهميتها وعظمها. وبهذا تكون الأدلة السمعية والنظرية دالة على أن تارك الصلاة كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، وتكون مقتضية للحذر من هذا العمل الشنيع، الذي تهاون به اليوم كثير من الناس. ولكن باب التوبة مفتوح ولله الحمد كما قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (٥٩) (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) (٦٠) (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (٦١) (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (مريم: ٥٩-٦٢) . فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين للقيام بطاعته على الوجه الذي يرضيه عنا. الأحكام المترتبة على ترك الصلاة

(١) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، رقم (٩٨٧) . (٢) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم (٨٢) . (٣) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة على الميت، رقم (٦٧) . (٤) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (٢٦٢٢)، قال الألباني: وإسناده صحيح. ووصله الحاكم (١/٨)، عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: فذكره. وقال صحيح على شرطهما، وقال الذهبي: إسناده صحيح. اهـ. انظر: "المشكاة" (١/١٨٣) .

1 / 130