Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali
فقه السيرة للغزالي
Maison d'édition
دار القلم
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٢٧ هـ
Lieu d'édition
دمشق
Genres
تبديد هذه الريب، وتذليل هذه العوائق، فهو على ما دونها أقدر.
والأسئلة التي توجّه للنبي ﷺ، أو التي ينتظر أن توجّه إليه في مختلف العقائد والأحكام؛ وجدت إجابتها الشافية في القران، باعتبار أن السؤال لا يمثل حاجة صاحبه واحدها، بل حاجات الناس على مر الأيام.
وفي هذا الجوّ المليء بالتساؤل استفهاما أو استنكارا؛ كان الإلهام يلاحقّ الرسول ﷺ: قل كذا، قل كذا.
وما أكثر الايات التي صدرت بهذا الأمر إجابة لسؤال ورد أو سؤال مفترض.
وأنت تحسّ- إذ تقرأ هذه الأجوبة المستفيضة- فيضا من اليقين ينساب إلى قلبك، كأنها حسمت وساوس عرضت لك أو في الإمكان أن تعرض، والرسالة الخالدة هي التي تصلها بضمائر الناس هذه الأواصر المتينة.
إنّ القران رسول حي، تسائله فيجاوبك، وتستمع إليه فيقنعك.
انظر: كيف يؤسس عقيدة البعث والجزاء، وينوّه بشمول الإرادة والقدرة في ثنايا إجابة على سؤال موجّه، وكيف صيغت المعاني في أخذ وردّ، واعتراض ودفع، كأنها حوار سيّال، يتعدّى أصحابه حتى يجمع الناس إلى اخر الدهر:
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣) [يس] .
إنّ هذا مثل للاستدلال القائم على النّظر الصائب، لا يختص به زمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، فهو خطاب للعقل العام في البشر أجمعين، وهو بيان لحكمة نزول القران منجّما إذ جاءت الايات للرسول ﷺ: قل كذا، ردّا على ما عرض له من أسئلة في أثناء تطوافه هنا وهناك يدعو إلى الله، ثم ثبت السؤال والجواب ليكون منهما علم ينفع الناس اخر الدهر.
1 / 30