أبو الهول:
لي في ضمير الدهر سر كامن
لا بد أن تستله الأقدار
لعل ثروت باشا أبعد المصريين نفسا، وأعمقهم ضميرا، وقد حدثني من طالت به صحبته أنه من شباب سنه قد جعل يمرن نفسه على إخفاء نياته، ويأخذ معارف وجهه بألا تنم على ما في قرارة نفسه، وإنك لتحدثه في الجلى ويحدثك فيها وهو متطلق الوجه ضاحك السن حتى ليكاد يملأ عليك المجلس أنسا ومراحا، والله وحده يشهد ما في جوف هذا الهيكل من ثوائر تهد أعصى الرجال، وتدك أشمخ الأجبال، حتى لقد دعاه بعض أصدقائه، وهو ما برح في مطلع مناصبه «بطرس المسلمين»!
ولقد بالغوا في صمت أبي الهول وقدروا أن من خلف هذا الوجوم الطويل سرا طويلا. أما ثروت، فإنه أحذر من أبي الهول وأحرص على دخيلة نفسه؛ فإن وجهه الضاحك منك لا لك ليقنعك بأن هذا الخلق لا يحقن من السر كثيرا ولا قليلا.
ولو أن إنسانا حدثك بأن لسان ثروت لم يسقط من ثلاثين سنة بكلمة واحدة لا يريد هو أن يطلقها بكل معناها، وما تتصرف إليه من وجوه المغازي، لما كان في قوله متزيدا ولا غاليا.
ولقد تعوزه موهبة الخطابة والتفجر بالقول، على أنه إذا ارتجلت عليه طارئة خطاب الجمهرة أرسل الكلام، في أدق المواقف وأحرجها، بليغا سلسا نيرا، يروعك برشاقته في التحرف عن كل ما لا يؤذن به للسياسي وإن فسح فيه للخطيب.
وهو بعد رجل حسن الملقى، كريم المقال، وافر الأدب.
جم التواضع والدنيا بسؤدده
تكاد تهتز من أطرافها صلفا
Page inconnue