La pensée arabe moderne : l'impact de la Révolution française sur son orientation politique et sociale
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
إلا أن فيلكس مع ذلك وقف من الثورة موقف المؤاخذة، فقال (الكلام من رسالة المنبر):
خرجت أوروبا إلى عهدها الجديد، ولكن عيسى لم يكن مهديها، ولا محمد ماشيا في طليعتها. كان إنجيلها «حقوق الإنسان» التي كتبها الثائرون بالدم المتمرد، وكان قرآنها القوانين التي سنها نابليون لإقامة الموازنة بين الحقوق، ولكن هذا الإنجيل الحديث الذي استمد من إنجيل عيسى المساواة والإنصاف، لم يتناول سواهما من مبادئ الإحسان والعطف والمغفرة والرحمة. وهذا القرآن الجديد، قوانين نابليون المستمدة من مذاهب الأيمة في الشرع الإسلامي، وقف عند حد التنظيم المادي المحض لحقوق الناس، فقصر عن الأخذ بما في قرآن النبي الهادي من الدعوة إلى المعروف والبر بالأدنين والأبعدين من بني الإنسان.
وهكذا نجد كاتبنا يود لو كانت الثورة لم تهمل القيم الدينية المعنوية كالعطف والمغفرة والدعوة إلى المعروف.
53
فهو من هذا القبيل مخالف لنيتشه الذي ينزل الثورة الفرنسية والأديان منزلة واحدة، كما عرفنا مما ذكره فرح أنطون.
ولقد كاد يعلق شيء من «النيتشية» بأديبة كبيرة من أديباتنا، هي الآنسة مي زيادة، مؤلفة كتاب «المساواة». تقول مي في مقدمة هذا الكتاب:
لأجلها (أي لأجل المساواة) شبت الثورة الفرنساوية وانبرت تعلن للإنسان حقوقه المدنية المرتكزة على الحقوق الطبيعية، فأثبتت في مطلع بيانها بندا أول يشاركها فيه العالم المتمدن، وهو أن الناس «يولدون ويظلون متساوين أحرارا إزاء القانون.» فحذفت بهذا البند نظام الإقطاع القائم على تفاوت الحقوق والواجبات.
ثم تقول:
إنها (أي المساواة) مع الحرية والإخاء لتهز نفسي، وقد لمستها منذ أن كان لي نفس تتحرك. غير أني وصلت إلى نقطة أود عندها تحليل كل شعور وكل تأثير. ما هي المساواة، وأين هي، وهل هي ممكنة؟ هذا ما أرغب في استجلائه في الفصول الآتية ...
وليس في هذا الكلام كله ما يدل على صلة بين مي ونيتشه. والحق أن مي لم تسلم يوما بكل ما ذهب إليه الكاتب الألماني، على أنها وقفت مثله موقفا منكرا من المساواة، مؤمنا بعدم إمكانها، بل بضررها. وهذا ما توضحه فصول كتابها.
Page inconnue