La pensée arabe moderne : l'impact de la Révolution française sur son orientation politique et sociale
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
16
غير أن ديدرو أحد سكينا من فولتير، وأشد توغلا في التشريح والتشهير. وربما وضع فولتير سكينه على الضحية فشعرت بمس الحديد البارد واقشعرت قليلا ولكن الأمر ينتهي بخدش بسيط. على أن ديدرو لا يضع سكينه إلا ليدمي.
وبعد ديدرو: هلفثيوس صاحب كتاب «في الروح»
De l’Esprit .
وإن القارئ ليصادف عنده أفكارا وتعابير يصادفها هي ذاتها في الثورة الكبرى.
يثق هلفثيوس ثقة قوية بفضيلة الشعب والإنسان، ويعتقد أن شرور الشعب ترجع جذورها إلى القوانين؛ فهناك ينبغي أن يحفر كي يكشف عن شرور الشعب ... والشارع الصالح هو الذي ينشئ المواطن الصالح، وبالقوانين الفاضلة وحسب يمكن إنشاء رجال أفاضل.
وهكذا يعلق هلفثيوس أهمية كبرى على صلاحية القوانين، ولكن نظرته الشاملة مبنية أصلا على قاعدة من التربية الصالحة. يقول: «إذا استطعت أن أدل على أن الإنسان ليس في الواقع إلا نتيجة التربية فأكون بلا شك قد أعلنت حقيقة عظيمة للأمم.» ويتساءل: «من يستطيع أن يشك شكا جازما بأن فروق التربية ليست هي التي تنتج الفروق التي نجدها في العقول؟ من يستطيع أن يتأكد من أن الناس ليسوا كالأشجار التي هي من فصيلة واحدة، بذرتها البذرة نفسها، ولكنها لما كانت لا تزرع في التربة نفسها، ولا تعرض للرياح نفسها، ولا للشمس نفسها، ولا للمطر نفسه، فقد لزمها في النشأة والنمو أن تتشكل بعدد لا نهاية له من الأشكال.»
ولا ريب أن هذا رأي فيه كثير من المغالاة، ولو فرضنا من الممكن أن يصبح الناس بالتربية نسخا بعضها طبق بعض كما قد يشير كلام هلفثيوس لكان ذلك شيئا مستكرها. على أن هلفثيوس أعلن عقيدة ثورية بعيدة المرمى إذ قال: «إن استنتاجي العام هو أن العبقرية عامة»، فنسف بذلك رأيا يقول إن العبقرية وقف على عرق من الناس أو فئات خاصة من المجتمع، وقوى الثقة بكفاءات الشعب والإنسان. وجاءت حوادث الثورة مؤيدة له ومحيرة أفهام الكثيرين ممن كانوا يزعمون أن الجيش الفرنسي الثوري لا يجدي فتيلا ما دام أفضل ضباطه وقواده قد هاجروا أو طردوا أو أعدموا؛ فلم يلبث هذا الجيش أن أتى بأعمال عسكرية أدهشت أوروبا بقيادة قادة برزوا من أعماق الشعب كهوش ونابليون نفسه!
ويقودنا هلفثيوس إلى هولباخ
Baron d’Holbach
Page inconnue