La pensée arabe moderne : l'impact de la Révolution française sur son orientation politique et sociale

Raif Khuri d. 1396 AH
142

La pensée arabe moderne : l'impact de la Révolution française sur son orientation politique et sociale

الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي

Genres

وقد علمنا التاريخ حقيقة نود لو لم تكن، وهي أن من أراد تأسيس حزب أو وضع تعليم أو إنشاء ديانة ينبغي له أن ينظر إلى وجه واحد من المسألة فقط إذا شاء أن يكون صريحا في رأيه حازما في قوله ثابتا في عقيدته، وبكلمة أخرى إذا شاء أن يكون مؤسسا لحزب أو تعليم أو دين ما فعليه أن يكون متحزبا متعصبا مأخوذا بدعوته مهما كانت. عليه أن يكون أعمى أصم فيما سوى ذلك؛ فالنفي والشك والتردد وعدم الاكتراث والفتور هذه لا تؤسس ممالك وأحزابا وديانات، وهذه كلها من مزايا كارليل المشهورة؛ فقد أحب ألا يكون متعصبا لا مع الثورة ولا لها فجاءنا بتعصب جديد خصوصي لا يضر بالحقيقة الجوهرية ولا ينفعها وقد يلذ لمن تتوق نفسه إلى الجديد من الأشياء والآراء. وبما أنه توسع في الصغائر والتوافه التي تتعلق في الثورة ولذ له سردها بل نظمها في نثره الفخيم، فهو أشبه بنور تضعضعت أشعته المرسلة في كل الجهات ولم تتعدها إلى ما وراءها من الجوهريات. وإنه لو صوب نور مصباحه إلى غرض واحد في جهة واحدة لأرانا في الزوايا شيئا من الحقيقة الثابتة الدائمة. لو فعل ذلك لفاز بوضع تعليم جديد أو تأسيس حزب ثالث ينظر في شئون الثورة نظر الغريب عن هذه الأرض ويقيس منافعها وأضرارها بغير مقاييس هذا العالم.

أما التنديد برجال الثورة والاستياء من النهضة بجملتها والنفور من هولها والفرار من نارها المحرقة المنيرة فهذه ذنوب لا تغتفر للمؤرخ إذا اقترفها؛ فالطفل يولد في الألم والعذاب، والجمهوريات تنشأ في الثورات والحروب. الأم تتألم ساعة الولادة، وكذلك الأمة. يموت الإنسان والعذاب ملازمه، ويولد الطفل والألم حليفه. وكذلك الحكومات بأنواعها والأمم؛ فلا تموت حكومة بسلام ولا تنشأ حكومة بسلام.

ولا بأس في الختام من قصة صغيرة أوردها فقد ذكرتني بها مطالعة هذا الكتاب الذي أود أن يطالعه كل من يحسن اللغة الإنكليزية من قرائي. ورب قائل: ولم تدعونا إلى مطالعته بعد أن تحققت فساده وبان ذلك الضرر الذي ينم عن اقتباس الأفكار التي جاءت فيه؟ أريد أن يقرأه كل من كلف نفسه قراءة هذا البحث ليستطيع أن يقابل بين الاثنين. لا أريد أن يرتئي أحد رأيي دون أن يشغل قليلا فكره. لنعد الآن إلى القصة.

أراد أحد الملوك الأقدمين المولعين بالعلم أن يطلع على تاريخ الأمم فطلب أحد وزرائه وأمره بتأليف أو جمع تاريخ عام، فذهب الوزير وغاب سنين ثم عاد إلى الملك ومعه عدد من الجمال محملة كتبا، فوقف أمام ملكه وقال: «ها هو التاريخ الذي تطلبه.» ولكن الملك وقد هالته أحمال الجمال أمر الوزير أن يختصر التاريخ، فغاب هذا ثانية وعاد بعد سنين ومعه جمل واحد فقط يحمل التاريخ المختصر. أما الملك فكان قد ضعف بصره ووهنت قواه فأمر الوزير أن يختصر أيضا، فغاب الوزير للمرة الثالثة وعاد فرأى مليكه يتقلب على فراش الموت، فلما رآه الملك قال: «آه ثم أواه! سأموت قبل أن أطلع على تاريخ الأمم.» فأجابه الوزير معزيا: «لا تقل ذلك يا مولاي، فقد أحضرت لك مجموعة صغيرة تنبئك عن كل أعمالهم باختصار غريب، وها هي.» ثم أخرج الوزير من جيبه ورقة صغيرة وقرأ بصوت مرتفع: «هاك يا ملك الزمان تاريخ شعوب الأرض مختصرا: فإنهم تنفسوا فتنافسوا فعرقوا فماتوا.»

وتاريخ كارليل المقسوم إلى عشرين كتابا وكل كتاب مقسوم إلى فصول لم يفدنا عن الثورة الفرنسية أكثر مما أفاد مليكه عن تاريخ شعوب الأرض؛ فالكلمات الأربع التي تؤلف تاريخ الوزير تكفي لتأليف مثل هذا التاريخ دون أن يفوتنا منه شيء كثير. لو شاء كارليل أن يختصر لقال مع الوزير عن الإفرنسيس: قد تنفسوا فتنافسوا فعرقوا فماتوا. ولكن في الأمة الإفرنسية ما لا يموت، في الأمة الإفرنسية من نتائج الثورة العظيمة ما تبقى آثاره بادية حية نامية في ترقي الأمم والناس. (مقالة في انتقاد «تاريخ الثورة الفرنسية»، تأليف توماس كارليل، «الريحانيات»، جزء 1)

الشيخ رشيد رضا (1865-1935)

جمع بين القديم والجديد في الفكر والعمل السياسي

إن التطورات الاجتماعية كانت تقضي بوقوع ما وقع من التصرف في شكل الحكومة الإسلامية، ولم يمكن في تلك الأزمنة أن يوضع لها نظام يكفل أن تجري على سنة الراشدين، ولا طريقة أوائل الأمويين والعباسيين، في الجميع بين عظمة الدنيا ومصالح الدين. ولما صار هذا ممكنا كان أمر الدين قد ضعف، وتلاه في جميع الشعوب الإسلامية ضعف حكوماتها، وضعف حضارتها؛ فلم تهتد إلى مثل ما اهتدى إليه الإفرنج من القضاء على استبداد ملوكهم شعبا بعد شعب؛ فمنهم من قضى على الحكومة الملكية قضاء مبرما، ومنهم من قيد سلطة الملوك فلم يدع لهم من الملك إلا بعض المظاهر الفخمة التي يستفاد منها في بعض الأحوال دون أن يكون لهم من الأمر والنهي في الحكومة أدنى استبداد.

ذلك أن كل من يعطى تصرفا في أمر يجب أن يكون مسئولا عن سيرته فيه، والتقاليد المتبعة في الملك أن الملك فوق الرعية فلا يتطاولون إلى مقامه الأعلى ليسألوه عما فعل، وهذا شيء أبطله الإسلام بجعله إمام المسلمين كواحد منهم في جميع أحكام الشريعة، ونص على أنه مسئول عما يفعل بقوله (

صلى الله عليه وسلم ): «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها» إلخ ... (متفق عليه من حديث ابن عمر). وكان المسلمون يراجعون الخلفاء الراشدين ويردون عليهم أقوالهم وآراءهم فيرجعون إلى الصواب إذا ظهر لهم أنهم كانوا مخطئين، حتى إن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) خطأته امرأة في مسألة فقال على المنبر: «امرأة أصابت وأخطأ عمر»، أو: ورجل أخطأ.

Page inconnue