La pensée arabe moderne : l'impact de la Révolution française sur son orientation politique et sociale
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
2
بل ربما كان حنيفا. والحنيف هو الذي يؤمن بالله ولا يتخذ شكلا مخصوصا للعبادة، وكان منهم أناس في جزيرة العرب قبل الإسلام مثل ورقة بن نوفل وغيره؛ فإذا أمعنا النظر في كلام فيكتور هوغو نراه من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ونراه أيضا كثير البغض في الجبابرة المستبدين ويدعو الناس إلى عدم اتخاذ أرباب من دون الله.
قال الحكيم الفيلسوف إرنيست رينان عن فيكتور هوغو وعن فولتير: إنهما سارا من قطبين متخالفين ولم يتلاقيا إلا على محبة العدل والإنسانية.
والباعث الثالث على شهرة فيكتور هوغو هو كثرة عمله وغزارة معارفه، عدا معرفته بدقائق اللغة الفرنساوية، وبعلم القوافي والعروض والموسيقى، وما يلزم للشعر. وكان حكيما فيلسوفا يضع كل شيء في موضعه وكل معنى في قالبه. ولم يغب عن علمه شيء من التاريخ والجغرافيا وأسماء البلدان. وله اطلاع على العلوم الرياضية وجميع المسائل الاجتماعية وكليات القوانين البشرية والسياسية. وله اقتدار عجيب في التخيلات والتصورات والاختلافات. وإذا نظر في شيء تمكن من رؤيته بعين لم يتيسر لغيره من الشعراء الرؤية بها؛ فوقف على كنه الأشياء وحقيقتها وعلى جميع ما يعرض لها من الصور والأشكال والألوان وبقية الخواص الظاهرة والباطنة. وإذا ذكر إسبانيا مثلا لم يترك فيها مدينة إلا وصفها بالوصف اللائق بها سواء كان وصفا جغرافيا أو طبيعيا أو تاريخيا بالنظر لمن اشتهر فيها أو لما ينبت في أرضها أو لمرآها الطبيعي ومنظرها الخارجي، وذكر كذلك كثيرا من مدن فرنسا وإيطاليا. ... وكان له ولع بالأمور العظيمة والمقامات العالية والمناظر الواسعة والمعاني الدقيقة، فعرف لج البحر الذي لا يرى ساحله وبعد الفضاء الذي لا تدرك نهايته. وقلد أصوات الأشياء ووصف الجمادات وصفا يخال منه للقارئ أنها حية تنطق؛ ولذا قالوا: إن فيكتور هوغو أنطق الجماد ونفخ فيه بأساليبه الشعرية روح الحياة. وله ابتكارات بديعة وتشابيه ظريفة وتعبيرات لطيفة. ونجد لما ورد في كلامه من التشبيه والتخيل والبديع أمثالا كثيرة في الشعر العربي والأندلسي تكلم عليها الباقلاني في «إعجاز القرآن»، والجرجاني في «أسرار البلاغة» المطبوع في جريدة «المنار»، ومن سلك مسلكهما من علماء اللغة والبلاغة، ولكن فيكتور هوغو يفوق بسعة الاطلاع والإحاطة بالمسائل. وأكثر شعراء العرب انحصرت أقوالهم في الدائرة التي هم فيها فلم يخرجوا منها ولا تعدوا الأساليب التي وضعها شعراء الجاهلية. والذين خرجوا عن تلك الأساليب واتسعت مداركهم قليلون مثل المتنبي، والمعري الذي تكلم على كثير من المسائل الاجتماعية والسياسية، ونادى بالحرية والمساواة بين أفراد البشر، وبين ماهية الحق والعدل، وشرح كثيرا من المسائل الفلسفية، وأظهر شعوره وإحساسه بالوسط الذي ألقينا فيه فكان سجنا لنا لا خلاص منه إلا بالموت؛ فهو متحير في هذه العقدة التي أضلت الأدباء في حلها.
ثم إن أهل النقد الأدبي من بلغاء الإفرنج يقولون: نعم إن فيكتور هوغو أنطق الجماد وتوصل بأساليبه الشعرية إلى وصف المناظر الطبيعية وتصوير العصور الخالية والهيئة الاجتماعية بأحسن تصوير وأبدع وصف؛ فهذا لا ينكر، ولكنه لم يتوصل إلى معرفة باطن القلب الإنساني ولا لإيجاد أوصاف تامة ولا حياة طبيعية للأشخاص الذين اختلقهم على مرسح التمثيل؛ ولذا لم يكن أوحد الأدباء في تأليف روايات الدرام؛ فهو وإن أنطق الجماد لكنه أخرس البليغ.
نعم، إن شارلكين في رواية إرناني
Hernani
هو بيت القصيد وهو من ملوك الكلام ولا ننكر فصاحته وبلاغته، وإنما عيبه عندنا هو عدم وجود الروح فيه؛ فهذه النفس الناطقة التي أرانا إياها الشاعر على مرسح اللعب والتشخيص هي نفس المؤلف أي نفس فيكتور هوغو وليست نفس المشبه به وهو شارلكين؛ فالحماسة التي أظهرها المؤلف في شعره ليست بطبيعية ولا هي حقيقية، بل هي عندية؛ أي من عند الشاعر، ولم تبن على الحجج والبراهين الأدبية التي اشترطها أصحاب الطريقة الحقيقية وسماها إميل زولا «دوكيمان»،
3
فأصحاب هذه الطريقة الجديدة يلومون فيكتور هوغو على تعظيمه الأمور ويشبهون قريحته بمرآة مكبرة تكبر الشيء المعكوس فيها وتجسمه تجسيما خارجا عن الحقيقة وعن العرف والعادة. ومن عادة فيكتور هوغو إرخاؤه العنان للقوة الواهمة والخيالية؛ ولذا نجد في مؤلفاته مثل «كازيمودو» ومثل «الرجل الضاحك» من الأشخاص الموهومة التي لا توجد إلا في كتاب «ألف ليلة وليلة» وما كان على نسقه.
Page inconnue