أجابت: لقد أخطأ ملطار؛ فأنا التي عزمت على الزواج. قال: تكاد تكون النتيجة واحدة، ولكن ما عسى أن يقع للمسكين دي فاليير إذا تزوجت؟
فصاحت: واحسرتاه على جاستون! قال: ومع ذلك يوجد وسيلة لمنع هذا الزواج اللعين، وما عليك إلا أن تقولي كلمة واحدة، ويوجد أمر لم أخبرك به عن نفسي هو أنني ماهر في الرياضة البدنية.
فنظرت إليه بحب وامتنان وقالت: أعرف أنك تسبح جيدا. أجاب: نعم، أنا أحسن السباحة ... ولكن يوجد شيء آخر أحسنه؛ هو استخدام السيف كمعلم يتعاطى تدريس هذا الفن. ثم إنني أحذق الرماية فأصيب ذبابة على بعد ثلاثين خطوة، ولم أنتفع قط بهذه المزية، وأظن أن هذا اليوم وقت الانتفاع بها؛ لأنني لا أحب خطيبك بلميري وإن لم أره، فهل يسوءك أن أجرب نفسي معه؟
قالت: كلا لا تفعل، فهو لم يسئ إلي، بل كان كريما مع أبي، ووثق بكلامي، ولا بد لي أن أغدو زوجته! ... لا بد لي، فهل فهمت؟ ...
قال: فمتى يكون العرس، إن شاء الله؟ أجابت: في أقرب وقت، وربما بعد أسبوعين. فهم بالنهوض، فمدت إليه يدها لتودعه، وإذا بالباب قد انفتح، ودخل أنيبال بلميري، فأرجعت يدها، فأدرك السير دراك رغبتها في مكثه عندها، فعرفت كلا من الرجلين بالآخر، ثم خرجت تاركة إياهما معا. فقال أنيبال: هل أنت يا سيدي من أوصل خطيبتي إلى باريس؟ فحدق فيه السير دراك وأجاب: نعم، أنا، وهل أنت ذلك السعيد الذي عزم على الاقتران بمن كانت رفيقتي في السفر؟ أجاب: نعم، أنا ذلك السعيد. قال: ولكن قد تقرر هذا الزواج سريعا؟ أجاب: لأنني افتتنت بمحاسن الآنسة بوليت. فهل تجد ذلك أمرا غير طبيعي؟
أجاب: بل أجده طبيعيا جدا ولا شك عندي أن هذا الهوى المفاجئ كان متبادلا؛ أي إنه نزل بالخاطب والخطيبة نزول الصاعقة، كما يقولون في فرنسا.
فأحس أنيبال بالتهكم من وراء هذه الكلمات وكاد يغضب، إلا أن الإنكليزي ابتدره بقوله: هل لك أن توضح لي أمرا أشكل علي؟ فإنني ما ذكرت اسمك إلا تذكرت أنني سمعت به قبلا. فاصفر وجه أنيبال، إلا أنه كتم اضطرابه، وقال: لا عجب إذا كان اسمي معروفا، فإن المسيو بلميري عمي قد أثرى في إدارة مصرف وورثنا أنا وشقيقتي ثروته، ولعلك سمعت باسمي لأبي أنا. قال دراك: هل مضى زمن طويل على الإرث الذي تتكلم عنه؟ أجاب: سنة واحدة. قال : لم يمض زمن طويل، فهل أنت إيطالي؟ أجاب: نعم، إيطالي الأصل، غير أنني ولدت في الهند. قال دراك: بدأت أفهم ... قال بيبو: ماذا؟ أجاب: لا بد أن أكون سمعت باسم أسرتك وأنا في الهند، ولكن بقي شيء أيها العزيز نسيت أن أخبرك به، وهو أنني تلقيت الآن مهمة شاهد في زواجك عهدت إلي بها خطيبتك. فأجابه: لقد سرني وقوع اختيارها عليك. قال: يا ليتني أتعرف بشقيقتك فإنني لم أرها بعد. قال: سوف تكون في منزلها غدا مساء، وموعد استقبالها الزائرين أيام الجمع، فأهلا وسهلا بك.
قال: إني أودعك الآن يا مسيو بلميري ... وبقيت لي كلمة أيضا أرجو أن تقولها لخطيبتك، هي أنني لا أزال مستعدا لإسداء اليد التي رفضتها. أجاب: اعتمد علي في ذلك.
فانصرف دراك بينما كان أنيبال يقول في نفسه: ما أكثر ثرثرته، ولكن ما عسى أن تكون تلك اليد التي تكلم عنها؟ إني أود معرفة ذلك. •••
وصلنا الآن إلى صباح اليوم المعين للزواج، وكان موعد الحفلة الساعة الثانية بعد ظهر ذلك النهار؛ أي إنه لم يبق إلا خمس ساعات بين بوليت والوقت الذي يقضى فيه على آمالها إلى الأبد، وكانت تقول: ما لهذا اليوم من غد بالنظر إلي، وكانت تمد يدها إلى جيبها فتلمس خنجرا صغيرا جاءت به من الهند؛ وهو سلاح قاتل مسموم النصل سما يعرفه سود أفريقيا، فلو وخز الساعد به لفعل السم فعله. أما كيفية وصول ذلك الخنجر إليها فهي أن المسيو دي فاليير أراها إياه ذات مرة وقال لها: إذا قضي عليك يا بوليت فهذا الخنجر ينقذني من الحياة بعدك. فارتاعت بوليت وانتزعته من يده، ولكنها حفظته لديها وقالت في نفسها: إن هذا السلاح يصلح لي إذا قضي علي بأن أتزوج غير جاستون.
Page inconnue