وأخذت تتخلص من ملابس السفر وهي لا تفتأ تتكلم.
فقالت للخادم الهندي توبخه: ألا تسألني عن العمة باسيليك يا ملطار؟ فقد تركتها مريضة في مرسيليا، ولكن لا بأس عليها ... ولذلك صحبني المسيو دراك، فكان كريما معي، ولكن هنا أمر خطير، عليك يا ملطار أن تكتم نبأ وصولي عن والدي حتى يرياني ها هنا.
أجاب: نعم يا سيدتي، فها أنا ذاهب! وذهب الخادم الأمين من المخدع مستعجلا؛ لأن عبراته كادت تفضحه، وود المسيو دراك أن يقتدي به؛ لأن تلك المهمة التي عهدت بها إليه العمة باسيليك لم تعجبه، وهي أن يخبر الابنة بالطلاق الذي وقع بين والديها، فقد يقتلها الخبر في مثل ذلك الوقت، وقد قطع المسافة بين مرسيليا وباريس ولم يجسر على مكاشفتها به حتى عزم أخيرا على أن يوصلها إلى المنزل وينصرف تاركا تلك المهمة للصدف تفعل ما تشاء.
فأتى بحركة ليأخذ قبعته وينطلق، إلا أن بوليت لاحظته واستوقفته وقالت له: كيف تذهب بعدما اهتممت بي في مدة السفر، وخاطرت بروحك لأجلي، وأوصلتني إلى باريس؟ كيف تذهب دون أن تمكن والدي من شكرك؟
قال: ليس ما يوجب الشكر، فإنني فعلت ما فعلت دون تحمس أو تعب، أما الآن وقد وصلت إلى بيتك ولم يبق لك حاجة بي فإني أودعك.
فأمسكت ساعده ونظرت إليه تتفرس في وجهه، وقالت له بدلال: كلا، لا تودعني؛ لأنك باق هنا، ولا بد أن يرى والداي من صحبني في سفري الطويل، وأنبئهما بحسن عنايتك ورعايتك وكرم خلقك حتى يؤديا لك واجب الشكر والثناء، ولا بد أن ترى كل أقاربي.
قال: أتعنين جدك الأميرال وجدتك؟ إنني لا أحب كثرة الأقرباء ولا قلتهم! فضحكت وقالت: كم عدد أقربائك؟ أجاب: أحمد الله على أنني قريب نفسي الوحيد!
قالت: إنني أرثي لك.
قال: أنت على ضلال؛ لأن الحب الذي كان ينبغي أن أوزعه على أقربائي أختص به وحدي دونهم، إذ إن شخصي هو عزيزي ووحيدي! فزاد ضحك بوليت، وقالت: كيف ذلك؟ أتحب شخصك إلى هذا الحد؟ أجاب: هذه خير وسيلة للإحسان إلى من يستحق الإحسان.
قالت: ولكن الحب يولي المرء سعادة.
Page inconnue