ولنعد الآن إلى جرجونة وأخيها؛ فإنهما لزما العزلة حتى يوم المرافعة في القضية التي أقامها الكونت على زوجته، ولم يلتق الكونت بالدوقة دي لوقا إلا مرة واحدة، فكان تلاقيهما خاليا من ظواهر الهوى الذي اضطرمت نيرانه في فؤاديهما حينا ما، لكنها تحققت من وراء ذلك أن المستقبل لها.
وقد أسفرت القضية عن تبرئة القاتل بعد إقرار زوجته بأن القتيل كان عشيقها!
وبعد صدور الحكم بيوم أقام الكونت قضية طلاق على زوجته، وبعد ثلاثة شهور صدر الحكم بفسخ زواجه دون أن تحاول لورانس دفاعا عن نفسها، وبعد أربع وعشرين ساعة من صدور الحكم تلقت أمرا بخروجها من المنزل، فطأطأت الرأس في هذه المرة أيضا، وفارقت ذلك البيت الذي ذاقت فيه طعم الهناء، وولدت فيه ابنتها الوحيدة!
وهكذا بات الكونت روجر دي موري حرا، وغدت الشهيدة المسكينة مطلقة تجرع كأس لوعتها وعذابها دون ذنب جنته سوى حرصها على سر أمها.
الفصل السادس
مضى خمسة شهور، فنحن الآن في عام 1885، وقد انفصلت لورانس عن زوجها وأقامت في منزل صغير في شارع فرنسوا الأول، وأدى الطلاق إلى حصول كل من الزوجين على ماله الخاص، فأرجع إليها الكونت مالها وهو يكاد يبلغ مليون فرنك، فعزمت على أن تسعف به الفقراء.
ومما زادها غما وشجنا أن والديها بقيا مصرين على الامتناع عن مقابلتها، فقالت في نفسها: هذا ما لا أطيقه، فلا بد لي من أن أراهما ولو طرداني.
وفي ذات يوم استجمعت شجاعتها وذهبت إلى بيت والديها وطرقت الباب، وقالت للخادم: أبلغ السيدة دي لامارش أن ابنتها تروم مقابلتها، فقال لها الخادم: تعذرني سيدتي، فإنني لا أستطيع إجابتها إلى هذا الطلب.
فقعدت على درج السلم نحو ساعة إلى أن قال لها الخادم وصوته يرتجف انفعالا: لا بد من ذهابك يا سيدتي، فإنني أنبأت الأميرال بحضورك وكانت والدتك جالسة بقربه، فقال لي: لست أعرف المرأة التي تتكلم عنها، وهو ينتظر انصرافك ليخرج من البيت؛ لأنه لا يريد أن يراك.
فبكت لورانس، فقال الخادم: أما والدتك فنظرت إلى زوجها نظرة ترقق قلب الصخر وأشارت إشارة إليه، إلا أنه لم يحفل بها؛ بل أمرني أن أفعل كما قال.
Page inconnue