أما أخوها فقد عاش بين القوم عيشة الفلاسفة، وكان يجالس الأميرال حمو الكونت، ويتبسط معه في التحدث عن سلك الأبحر والأساطيل البحرية ومقاومة الزوابع والأعاصير ومقاتلة الأعداء، إلى غير ذلك مما يتوق إليه الأميرال، وكان الكل يصغي إلى مثل هذه المحادثة.
وفي ذات يوم كان الأميرال يتكلم، فخرجت زوجته إلى غرفة لتنفرد فيها، وكانت تلك عادتها في كثير من الأحيان، فقال الأميرال: إن زوجتي تحب الوحدة والاعتزال أحيانا، وقد وقع لها ذلك من زمن طويل حتى أشفقت في بدء الأمر على صحتها، ولكنني تعودت ذلك منها وإن لم يذهب قلقي تماما.
فقالت زوجة الكونت في نفسها: لا شك في أن لوالدتي شأنا آخر يجهله والدي وهي تكتمه عنه وعني إيضا ... فلماذا لا تثق بي وتبوح لي بسرها؟
ولقد سنحت لها الفرصة فأمكنها الاطلاع على سر والدتها؛ وذلك لأنها لزمتها منذ وصولها إلى باريس، وأرادت أن تخفف عنها وطأة الشجن، فما لبثت أن غدت سكرتيرتها تراسل عنها الجمعيات الخيرية العديدة، وتفتح الرسائل التي ترد باسم والدتها دون أن تشاورها، وتجيب عنها.
وفي ذلك اليوم بعد المحداثة التي أشرنا إليها في عرض الحديث، تلقت نحو عشر رسائل من البريد واردة باسم والدتها، فلما افتضت ختم الرسالة الثالثة وطالعتها، أخذها انفعال واضطراب وامتقع لونها.
ولقد قرأت لورانس تلك الرسالة مرارا، وها نحن نوردها للقراء بنصها وعنوانها:
إلى السيدة زوجة الأميرال غيرمين دي لامارش
سيدتي
كاتب هذه الرسالة رجل لا تعرفينه، ولكنه يستحق منك الرأفة ويروم مقابلتك.
اسمي يا سيدتي روبر بوريل، وأنت لم تسمعي بهذا الاسم، ومع ذلك فأنا ابن البارون دي كورديو.
Page inconnue