Sur la route
في الطريق
Genres
فقال سعيد: «طيب ابحث وابق قل لى».
فقال الرجل: «حاضر.. من عينى».
فرمى إليه قرشين، فتقبلهما الرجل مسرورا داعيا مؤكدا صحة عزمه على خدمته بإخلاص، ومضى عنه.
وتناول سعيد الكاس وشرب وهو يحدث نفسه أن هذا جنون. وماذا يصنع بالشقة؟ أما إن أمره لغريب.. وهم بأن يدعو الرجل ويصرفه عن البحث، ولكنه عدل وقال إن الأمر بيدى أنا لا بيده، فلا داعى للعجلة. غير انه مع ذلك استثقل أن يدع الرجل يظن به الظنون. وعاد يقول لنفسه إنه رجل لا قيمة له ولا لظنونه، فليظن ما شاء.. ولكن حملته على نفسه لم تفتر.
وكان الليل قد أظلم ولم تبدد سواده المصابيح.. وكان هو فى النور، فقدرته على رؤية الشارع محدودة.. فصارت الفتيات كالأشباح، واتسع المجال بذلك للخيال، فالدميمة منهن يحيلها الخيال فاتنة ساحرة. وساعدته الخمر على إتمام الصور، وجلاء غامضها، وعلاج عيوبها المرئية أو الموهومة. وكانت الخمر قد أنعشته قليلا، فكان ينظر ويفكر ويتخيل بشىء من الارتياح.. ولكنه مع ذلك أحس أنه عاجز عن احتمال كل هذا الجمال، وإن كان أكثره مما رسم خياله، فنادى الجرسون ونهض..
ولقيه ماسح الأحذية وهو على الرصيف، فسأله: «تجى بكره يا بك»؟
ولكن البك لم تعد له أذن تستطيع أن تحتمل الإصغاء إلى مثل هذا الرجل، فقال له: «رح.. رح» فألح الرجل ومشى إلى جانبه، يقول: «ليه يا بك.. أنا خدامك.. بس استنى طول بالك.. إن ما كنتش أخدمك خدمة..».
فقاطعه سعيد ونهره.. ومضى عنه.
والمثل يقول: «راحت السكرة وجاءت الفكرة» ولكن الفكرة تروح أحيانا مع الصحو وتجىء مع السكر.. أو على الأقل، هذا ما كان من أمر سعيد، فقد قال لنفسه إنه إذا كان من العجز بهذا القدر.. فأولى به أن يظل عاجزا وأن يعترف لنفسه بذلك ويوطنها عليه. ولم يكن هذا الخاطر مما يجلو الكآبة ويلطف الوحشة التى تحسها النفس، وأخلق بالاعتراف بضعف الحيلة وقلة الوسيلة وعدم الصلاح أن يزيد هبوط الروح! ولا عجب إذا كان سعيد قد عاد إلى بيته وهو يسأل نفسه لماذا شرب هذا الزبيب السخيف؟
ودخل على زوجته، وهو يقول لها: «اسمعى.. من الآن فصاعدا لا تدعينى أخرج ومعى فلوس.. بس الكفاية للانتقال.. فاهمة»؟
Page inconnue