Sur la route
في الطريق
Genres
وقال لجليلة - وهو يودعها على باب بيتها: «أرجو يا جليلة ألا تعرضينى لكلام الناس، واذكرى أن لى مركزا يجب أن أحافظ عليه».
فسحبت يدها من يده وقد آلمها كلامه، وأحست أن سهما وقع فى قلبها. كانت حساسة وذكية. ولم يكن يخفى عليها أن ليس له مركز سوى ما يفيده الغنى. ولم تكن هى تحتاج منه إلى مال فإن مالها كثير. وكانت تدرك أن ما يسميه «مركزه» جانب ضعف فيه، ولكنها كانت تغض عن ذلك لحبها له، غير أنها لم تكن تتوقع أن يتهمها بأنها تسىء إلى هذا المركز - وإن كان موهوما - فضلا عما تنطوى عليه عبارته من التعريض بها، بعد أن شرحت له الأمر كله ولم تخف عنه شيئا. وماذا تخفى وليس فى الأمر ما يستدعى الكتمان؟
وقالت له - وهى تهم بالدخول: «ليلتك سعيدة ».
فسألها: «متى نلتقى غدا»؟
فأطرقت شيئا ثم رفعت رأسها، وألقت إليه ابتسامة ساخرة، وقالت: «غدا؟ لا.. إنى على موعد مع مراد..».
ولم يكن ثم موعد ولا شبهه، وإنما قالت ما قالت مدفوعة إليه بضجرها وألمها.
ودخلت.. وتركته واقفا وفمه مفتوح. •••
ولم تحاول أن تلتقى بمراد فى اليوم التالى، فقد كانت تدرك أن هذا لا يكون منها إلا خرقا وحماقة.. فلزمت بيتها إلى المساء، ثم خرجت فى سيارتها على عادتها وجالت بها جولة قصيرة، ثم ردت بعض الزيارات وعادت فلزمت غرفتها. وكان الألم لا يزال يحز فى نفسها، فساء نومها واضطرب. وذهب يوم وجاء يوم، ولكنها أحست ثقلا فى جسمها وفتورا.. فبقيت فى فراشها، وأوصت أمها أن تمنع أن يوقظها أحد - حتى ولا زكى - فشعرت الأم أن فى الأمر شيئا، ولكنها حدثت نفسها أنه خلاف لا يلبث أن يزول. وجاء زكى يسأل عن خطيبته، فعرفت الأم أنه لم يلقها منذ يومين.. فأظهرت تعجبها وزلت، فقالت إنها كانت تحسب أنها لم تخرج إلا للقائه. وزل زكى أيضا فقال لها إن جليلة تسلك مسلك الأطفال، وأن ذلك يسىء إلى مركزه، وأنه كلمها فى ذلك فغضبت ولجت فيما نهاها عنه، فهو يرجوها - الأم - أن تكبحها قليلا.. فما يليق أن تترك هكذا - حبلها على غاربها. وعرفت جليلة هذا الذى دار بين أمها وبين خطيبها، فدهشت له.. ولكنها لم تغضب ولم تثر، بل كان من الغريب أنها أحست كأنما وضع لها فى مكان القلب قطعة من الثلج.
وجاء العصر.. فركبت سيارتها وخرجت بها إلى مصر الجديدة. وكان كل همها أن تكون وحدها وأن تدور دورة فى الهواء الطلق وتمشى قليلا، عسى أن ينفعها ذلك.. فيعفيها من الشعور بالانقباض والفتور. وإنها لفى بعض الطريق، وإذا بها ترى مرادا يمشى بسرعة كأنما يريد أن يدرك موعدا.. فوقفت وأشارت إليه وقد أحست أن جسمها قد صار أخف مما كان.. فجاءها يعدو، فسألته: «إلى أين»؟
فلم يجب عن هذا السؤال ولم يلق إليها تحية، بل ركب وهو يقول: «أرانا نلتقى فى هذه الأيام.. حسن هذا.. أليس كذلك»؟
Page inconnue