لم يكن من الصعب فهم السبب وراء إعجابها بنفسها إلى هذا الحد؛ والحقيقة أنها كانت شمطاء كأن حافلة دهستها. كان زوجها المصري متزوجا من أخرى مصرية، ومن ثم كان يزور هذه الزوجة البريطانية بضع مرات قليلة كل أسبوع، حيث يؤدي المهمة المحددة التي تحتاجه من أجلها ويتقاضى في مقابل ذلك حسنة من المال.
أضافت وهي تدير عينيها وتطقطق بفمها مجددا: «زوجي يغار علي كثيرا.» لكن هذه المرأة كانت استثناء.
الغالبية العظمى منهن يتورطن في علاقات مشينة يغلب عليها طابع الاستغلال المتبادل مع محتالين متمرسين يبغون من ورائهن ما هو أكثر من المتعة الجنسية فقط. والتطابق الكبير بين الحكايات التي يروينها - أو التي تروى عنهن - يدلل على وقوعهن في الشرك نفسه (بل إن الرجل الواحد قد يكون بطلا مشتركا في عدة روايات). ليس من الأخلاق أن نتحدث عن أمثلة بعينها، كي لا نكشف الحياة الخاصة للنساء على الملأ، لذا سوف أزعم أن القصة تشبه النموذج التالي.
في البداية تبتهج المرأة بالاهتمام الذي يبديه نحوها شاب مصري يتحدث الإنجليزية ويجلس مصادفة - على ما يبدو - بجوار طاولتها في أحد المطاعم أو يسير بجوارها في الشارع. وبعد محادثة قصيرة، توافق على الخروج معه لتناول مشروب في الليلة التالية، وفي إحدى النزهات على الكورنيش، تنخدع بإعلانه عن مشاعر حبه المتأججة. وخلال ما تبقى من إجازتها توازن بين الفرص المتاحة أمامها هنا (طقس جميل، ومتعة جنسية، وفيلا فاخرة، ونفقات معيشية ضئيلة) وبين حياتها إذا عادت إلى موطنها (عدد أقل من الأصدقاء بعد الطلاق، وشقة صغيرة، ونفقات هائلة، وطقس بغيض). تعود مرة أخرى إلى مصر لقضاء عطلة ممتدة - ربما شهرا أو شهرين - وتتزوج الرجل الذي سيساعدها في بدء حياة جديدة (لا يستلزم عقد الزواج العرفي أكثر من ورقة موقعة). تعطيه أموالا كثيرة ليشتري قطعة أرض ويبني عليها منزلا لهما، لكن بعد أن تتعرف على أسرته المعدمة - التي تعيش في قرية فقيرة أكواخها من الطوب اللبن في البر الغربي - يبدأ ابتزازها عاطفيا بسرد روايات مفجعة عن حاجة أخيه الصغير إلى المال من أجل التعليم ، أو حاجة أمه الماسة إلى المال لإجراء عملية جراحية تتوقف عليها حياتها. ومع إدمانها للجنس، وتشتتها وسط ثقافة لا خبرة لها بها، وتخليها عن أصدقائها من أبناء جلدتها (وربما تكون قد باعت شقتها في إنجلترا أيضا)، فإنها ترضخ مرارا وتكرارا. وتقول لنفسها إن المبالغ التي تطلب منها على أي حال ضئيلة نسبيا مقارنة بما قد تضطر لدفعه في ظروف مشابهة في إنجلترا، علاوة على أنها سعيدة بتقديم يد العون لأسرة مضيافة تستحق المساعدة. لكن مع مرور الشهور تتزايد الأموال التي تدفعها أكثر فأكثر، دون أن يكون هناك حد لما يطلب منها. وفي نهاية الأمر، تتخذ موقفا حازما بعد اكتشافها أنها تتعرض للخديعة، وكثيرا ما يكون ذلك بعد لقائها بمغتربات أخريات (بذل زوجها قصارى جهده كي يبقيها بعيدا عنهن) وسماعها منهن حكايات عن أنها الزوجة الأجنبية العاشرة التي «يقع هذا الشاب في حبها» في السنوات الأخيرة، وجميعهن قد استنزفت مواردهن أيضا. عندئذ تخبره بأن هذا يكفي. وفي غضون دقائق تطرد من البيت ومعها حقيبة سفرها فحسب؛ لا أحد في بيت زوجها أو في القرية التي اعتبرتها نموذجا لحسن الضيافة قبل بضعة أشهر سيتحدث إليها بعد الآن. يصلها نبأ طلاقها، وتقيم في فندق متواضع هو كل ما تقوى على تحمل نفقته بعد أن فقدت كل ما اشترته (الأرض والمنزل والسيارة والمشروع التجاري) لأنه خدعها ووقع على كافة العقود باسمه. وحتى إن كانت العقود باسمها، فإن المنظومة القضائية الهزلية تعني أنها ستقضي سنوات إن لم يكن عقودا في محاولة الحصول على حكم إذا أقامت ضده دعوى؛ وإذا حصلت على حكم لمصلحتها فستكون قد أنفقت أكثر مما ستحصل عليه في تقديم الرشا للمسئولين ودفع أتعاب محاماة باهظة، لأن جهلها باللغة العربية يجعلها لا تفهم شيئا مما يجري أثناء نظر الدعوى القضائية. وحينها تتخذ قرارا بأن إيقاف الخسائر أفضل لها. وبعد بضعة أسابيع من تضميد جراحها تخرج في رحلة البحث عن عاشق مصري آخر، وتبدأ القصة الهزلية من جديد. وربما ترى زوجها السابق في أحد المطاعم يتحدث مع عجوز أجنبية أخرى وقد وضع يده فوق ركبتها ورماها بنظرة هيام عميقة ...
الواقع أن مثل هذه الزيجات لا تنتهي في بعض الأحيان تلك النهاية المسالمة، وهو ما يؤكد على صحته إبراهيم السيد موسى المرشد السياحي بالأقصر الذي يقضي حاليا عقوبة السجن مدة خمسة عشر عاما؛ فقد تزوج من ألمانية، وأنجبا ثلاثة أطفال، لكن عندما لم ينجح الزواج غادرت زوجته مصر فجأة عام 2001، واصطحبت معها أبناءها. وعندما اكتشف الزوج أنهم في ألمانيا، حاول اللحاق بهم، لكن السفارة الألمانية رفضت منحه تأشيرة السفر. وفي نوبة جنون اختطف أربعة سياح ألمان في الأقصر، وحاول أن يقايض إطلاق سراحهم باستعادة أبنائه. وفي النهاية أطلق سراح الرهائن، ونقل هو إلى السجن.
بالطبع لا تبوء كل الزيجات التي تجمع بين ثقافتين في الأقصر بالفشل الذريع، لكن الروايات تشير أن الكثير منها كذلك. ومن الصعب تصور استمرار أي من هذه الزيجات على المدى الطويل؛ فإذا كان عمر الرجل خمسة وعشرين عاما وعمر المرأة خمسة وستين عند الزواج، فمن يظن جديا أنهما سيكونان معا بعد خمسة عشر عاما، أي عندما يكون عمره أربعين عاما وعمرها ثمانين؟ •••
تكن الأجنبيات العزباوات اللائي يسافرن إلى مصر أو يدرسن فيها وأولئك اللاتي تزوجن من مصريين في ظروف عادية (كأن كانوا على سبيل المثال زملاء دراسة أو زملاء عمل في مكان واحد) احتقارا بالغا للعجائز الإنجليزيات اللائي يجبن شوارع الأقصر وشرم الشيخ والغردقة والأماكن السياحية الأخرى باحثات عن المتعة. وسبب هذا الشعور أنهن يسئن إلى سمعة كل الأجنبيات، بحيث ينظر إليهن على أنهن لقمة سائغة، على الرغم من أن الرجال المصريين هم من يمارسون البغاء لأنهم هم الذين يحصلون على المال مقابل خدماتهم.
لكن العواقب الوخيمة الأبعد من هذا تبدأ من هنا؛ فحتى الأجانب الذين يصطحبون زوجاتهم الأجنبيات إلى مصر يتملكهم الغضب بسبب الاهتمام الزائد بزوجاتهم، وهذا ليس قاصرا على الأقصر وحدها. فالمصريون من كل مكان في مصر يسافرون للعمل في المنتجعات السياحية، وقد بلغت سمعة الأجنبيات العجائز الحضيض في جميع أنحاء مصر. لذا صارت المشاحنات مشهدا مألوفا، وفي بعض الأحيان، تكون العواقب مهلكة.
في انعكاس غريب لنظرية «تلويث الثقافة»، حكم على بريطاني بالسجن مدى الحياة عام 2007 بعد أن ارتكب ما يمكن أن نسميه «جريمة شرف» بأن ضرب زوجته البريطانية ضربا أفضى إلى وفاتها. والسبب في ذلك علاقتها برجل أصغر التقت به عندما كانا يقضيان العطلة معا في مصر. وفقا لما ذكرته صحيفة «ذا ديلي إكسبريس» فإن رون جونسون البالغ من العمر ثلاثة وخمسين عاما استشاط غضبا لأن زوجته سو البالغة من العمر تسعة وأربعين عاما وقعت في حب سائق سيارة أجرة مصري يصغرها بخمسة عشر عاما. استمعت هيئة المحلفين كيف أن الزوجين حجزا رحلة تستغرق أسبوعين إلى مصر، للتسرية عن نفسيهما وتجديد علاقتهما الزوجية التي مضى عليها اثنان وثلاثون عاما بعد أن فشلت خططهما في الانتقال إلى قبرص. استأجر الزوجان مصريا يدعى سعد الإمبابي ليرافقهما في رحلتهما، وسرعان ما ثارت ثائرة جونسون عندما رأى الرجل يغازل زوجته. قال إنهما كانا «يتواريان خلف المعالم الأثرية ليختلسا القبلات». وعندما ركب الثلاثة الخيول فوق رمال الصحراء، «بدا الاستياء» على جونسون الذي قال في التحقيقات إن سعد «كان يحاول دائما التقرب من زوجته سو، وملامستها علانية. ظللت أقول: «ما هذا! إنها زوجتي.» فأجابني مازحا إنه سيذبحني.» كانت الزوجة تمر بما يسمى أزمة منتصف العمر، ورأت في سلوك المصري «اهتماما زائدا». وبعد انتهاء العطلة، تبادل الاثنان الرسائل الهاتفية والإلكترونية، وعادت السيدة جونسون بعدها بفترة قصيرة إلى مصر بعد أن أخبرت زوجها أنها شعرت ب«صعقة كهربية» عندما لمسها الإمبابي. وبعد عودة الزوجة إلى منزل الأسرة في نوتينجامشاير، هشم جونسون رأسها بمطرقة أثناء نومها، ثم طعنها بسكين. بعدها أقدم على الانتحار بابتلاع كمية كبيرة من المسكنات وشنق نفسه بطوق الكلب وطعن عنقه بمثقاب كهربائي، لكنه نجا بعد كل تلك المحاولات، وحكم عليه بالسجن.
لهذه المشكلة تأثير على الطرفين إذن. فالأجنبيات العجائز اللاتي يجهلن التقاليد المصرية أو لا يعرنها اهتماما كبيرا يظهرن بمظهر من يدمر النسيج المجتمعي للثقافة القبلية المتحفظة في صعيد مصر. لكن حري في الوقت نفسه بالمصريين أن يتعلموا ضرورة معاملة الآخرين بمثل ما يحبون أن يعاملوا هم به. ذلك أن الكثيرين منهم أيضا غارقون في الجهل عندما يتعلق الأمر بالسلوك الذي تسلكه الأجنبيات العجائز في المعتاد، وذلك بسبب التعميم، في ضوء أن فئة قليلة نسبيا من هؤلاء يبحثن عن «التودد الصريح».
Page inconnue