القسم الثاني
بشائر الفجر
أنت تنفخ في رماد
أحقا يا مصر أنت كما يقول عنك بنوك اليوم؟ أحقا إننا نوجه إليك النداء فلا تسمعين؛ لأن الموتى لا يسمعون؟ أحقا إننا إذا أردنا أن ننفخ في نارك لتنير كنا كمن ينفخ في رماد؟ أحقا أصابك هرم ليس بعده عودة لشباب؟ اللهم لا! لكن هذا القول أو ما يشبهه، هو الذي حملته إلي خمس رسائل في يوم واحد، وكانت الرسائل الخمس من خمسة أبناء، تفاوتت أقلامهم، وتباعدت مصادرهم، لكنهم تلاقوا عند نقطة واحدة، هي التعجب من رجل مثلي يحاول بقلمه ما أحاوله؟ ولو أوجزت ما قالوه في عبارة من عندي، لقلت إنهم مشفقون على هذا الكاتب الذي يتوهم أن كلماته ستذهب إلى أبعد من الورقة التي خط عليها تلك الكلمات! لكن لماذا؟ هكذا سألت نفسي غاضبا، ألأن كلماتي أضعف من أن تجاوز سن القلم؟ أم لأن آذان من سيتلقونها بها صمم؟ أما إذا كانت الأولى فكيف إذن بلغت كلماتي أصحاب تلك الرسائل ذاتها؟ وأما إذا كانت الثانية فبماذا تعلل أنهم نهضوا من فراشهم، وجلسوا إلى مكاتبهم، ونشروا أوراقهم، وحملوا أقلامهم، ثم كتبوا إلي ما كتبوه، وأخرج كل من جيبه بضعة قروش ليشتري بها طابع البريد الذي أرسل به الخطاب؟
وأعود إلى الرسائل الخمس مرة أخرى، وأعيد قراءة بعض سطورها فأجد أن أصحابها كأنما أرادوا أن ينفوا التهمة عني وعن أنفسهم جميعا، فلا الضعف في كلماتي، ولا الصمم في آذانهم، إنما العلة في «مصر»، وكأن مصر هذه لا هي هم، ولا هي أنا، بل هي شيء كالمسرح تدور عليه أحداث الرواية ونحن المتفرجون، والذي يلفت النظر في تلك الرسائل هو أن ثلاثا منها قد لجأت إلى بيتي الشعر القائلين:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
فنارك لو نفخت بها أنارت
ولكن أنت تنفخ في رماد
وكل الفرق بين تلك الرسائل الثلاث في ذلك وهو أن اثنتين منها اكتفتا بذكر البيت الأول، وأما الثالثة فذكرتهما معا.
Page inconnue