Dans la maison de la révélation
في منزل الوحي
Genres
قلت: والقبيلة أو القبائل التي عوقبت؛ لأن أفرادا منها كانوا يعيثون في الأرض فسادا، ألم تكن على علم بما يجترحه هؤلاء الأفراد؟ أو لم يكونوا هم يشعرون بحمايتها إياهم؟
وسكت محدثي هنيهة ثم قال: الحق أنهم كانوا يشعرون بهذه الحماية، وقبائلهم كانت تعرف أمرهم، لكنهم لا يزيدون في ذلك على شقي من أبناء الأسر الكريمة يجد في جاه أسرته الحماية مما يأتيه من أعمال شقاوته، أفعدل أن تؤخذ الأسرة بذنبه؟! إن الله - تعالى - يقول:
ولا تزر وازرة وزر أخرى ،
ولتجزى كل نفس بما كسبت .
قلت: فإذا تعدت شقاوة الشقي إلى الغير، فأنذر الأسرة أن تنزع منه حمايتها فلم تفعل، وظل يأتي المنكر وهو لها جار، أفليس من حق الغير أن يحمل الأسرة وزره وأن ينزل بها عقابه؟
لم يجد محدثي ما يحيب به عن سؤالي، وأردفت: إن كثيرا من الأمم لتصنع ما صنع ابن السعود هنا، فحماية الأمن واجبة على الأفراد وجوبها على الحكومة، ونحن جميعا مطالبون بأن نعاون أولي الأمر عليها، فإن لم نفعل ثم لم نقف عند التقصير، بل شعر الجاني بحمايتنا إياه، حق لصاحب الأمر أن يؤاخذنا بتقصيرنا، وأن يؤاخذنا أضعافا مضاعفة بحماية هذا الجاني، وهذه شدة واجبة ما تعلق الأمر بالسكينة التي يجب أن يفيد الجميع منها، وإذا جاز لصاحب الأمر أن يتسامح في انتفاض سياسي يوم ينتصر على خصومه، فليس من حقه أن يتسامح في العبث بالأمن مع من يريدون كسب المال حراما كما يفعل أولئك الذين يعتدون على حجاج البيت، فالحاج ضيف الله، وأولى الضيف بالكرامة ضيف الله، ذلك كان الشأن في الجاهلية، وكذلك كان يقول جد النبي، أفلم يكن من الواجب على المسلمين من أهل هذه البلاد أن يكرموا الضيف ما كان يكرمه العرب في الجاهلية ؟ فإن لم يفعلوا وعاقب ابن السعود جناتهم وحماة الجناة فلا تثريب عليه، بل ذلك واجبه؛ ولذلك يشكر المسلمون جميعا في مختلف أقطار الأرض هذا الذي جعل الطريق إلى البلد الأمين أمنا وإلى بيت الله مهاد سكينة وسلام.
ولقد صدقت أحاديثي مع ابن السعود هذا الذي سمعت من حصافته وحسن رأيه، لما تم الحج وعدنا إلى مكة اجتمع قوم من بلاد مختلفة يتحدثون فيما يجب لهذه الأماكن المقدسة على المسلمين - وكنا من مصر ومن العراق ومن سوريا ومن فلسطين ومن إيران - ووضع القوم قرارات لتمهيد طرق الحج وجلب الماء إلى منى أيام الفريضة وغير ذلك مما شعرنا جميعا بضرورته حين أداء الشعائر، ووكل القوم إلى جماعة منا أن يقابلوا ابن السعود وأن يحدثوه فيما اجتمع عليه رأي الذين تحدثوا في الأمر، وأفضينا إلى فؤاد بك حمزة وكيل الخارجية بما حدث؛ كي يضرب لمقابلتنا الملك موعدا، وقابلناه مساء ذلك اليوم وقرأ أحدنا ما وقعه المجتمعون، وشرحت ما دار في الاجتماع.
فلما أتممنا حديثنا استوى الرجل في مجلسه وكان في غرفة القصر العليا، وقال: إنني شاكر لكم تفكيركم في أمر هذه الأماكن المقدسة، مقتنع بأن اجتماعكم ستكون له نتيجة متى عدتم إلى بلادكم، وغاية رجائي أن يبقى اتصالكم بعضكم ببعض من بعد ليتيسر الاستمرار في القيام بشيء مما فكرتم في القيام به، ورجائي الأجل من هذا أن تكون هيئتكم أكثر تمثيلا للشعوب الإسلامية، فأنتم - على ما فهمت - تمثلون أربعة شعوب أو خمسة، ومن الشعوب الإسلامية من ليس ممثلا معكم، ومن له من المكانة ومن الآثار في هذه البلاد في الماضي ما لا ينساه أحد، فالهند مثلا لم يمثلها في اجتماعكم أحد، ولم يمثل أحد المغرب الأقصى ولا الصين، ثم إن في كل أمة من الأمم الإسلامية، وبينها أممكم، رجالا سبقت منهم إلى الحجاز وإلى الأماكن المقدسة فيه أياد وأعمال بر، وخير أن ينوب هؤلاء عن بلادهم، فأسماؤهم اللامعة في هذا الموضوع مدعاة للنجاح، وأذكر بنوع خاص طلعت حرب باشا في مصر، لقد عمل هذا الرجل لتيسير الحج ما استطاع، وهو على رأس مؤسسات كثيرة ذائعة الصيت في البلاد الإسلامية كلها، فلا إخالكم إلا تريدون أن تجعلوه في مقدمة الذين يشاركون في هذا العمل، والحكومة هنا ترحب بكل إصلاح يريد المسلمون القيام به لخير المسلمين جميعا ولخير أهل هذه البلاد.
وخرجنا بعد تحيات بادلنا ابن السعود مثلها، وسألني بعض إخواني رأيي فيما حاز مشروعهم لدى الملك من القبول، فأجبت بكلمات مطمئنة، لكني كنت أعلم أن الأمر ليس هينا بمقدار ما ظنوا، ولقد لفت نظرهم ونحن في اجتماعنا قبل أن نلقى الملك إلى أن إصلاحا يراد إشراك العالم الإسلامي فيه، لا بد لنجاحه من تحديد أعماله ونفقاته ووسيلة تحصيل هذه النفقات واليد الأمينة التي تتولى الإنفاق منها، لكنهم كانوا متأثرين بروح الحج ولما يمض على إتمامهم فرضه غير أيام، فلم يأبهوا طويلا للاعتبارات العملية، وحسب بعضهم أن الأمر لا يزيد على أن يكتتب بقدر من المال تتولى حكومة الحجاز إنفاقه في الإصلاح، ناسيا أن اكتتابا يتم في وقت كوقت الحج من غير أن يوضع نظام إنفاقه، لا يمكن أن يؤدي إلى الأغراض التي يقصد إليها منه، أو يزيد على صدقات تعطى وتتولى الحكومة توزيعها في حدود المبالغ المكتتب بها توزيعا لا يتصل بالإصلاح في شيء.
ولم يكن ما لفت نظرهم إليه وليد تفكيري أو ملاحظتي وحدي، فقد اتصلت قبل سفري إلى الحجاز بأشخاص لهم تجارب في الأمر، وتحدثت إليهم فيه واقتنعت وإياهم بما أسلفت، وكان هذا اقتناع حكومة الحجاز من جانبها هي كذلك، فقد تقابلت بعد يومين من حديث الملك وإيانا مع بعض رجال الحكم من الوزراء وغيرهم وتحدثنا، فأنبئوني بأن مثل هذا الاجتماع يقع في كل عام على أثر الحج، ثم تقدم مثل هذه الاقتراحات إلى الحكومة، وينصرف الناس بعد ذلك إلى بلادهم، فتنسيهم مشاغل الحياة ما اجتمعوا فيه، وتنسيهم ما تحتاج إليه البلاد المقدسة من إصلاح، على أن هؤلاء من رجال الحكم الذين حدثوني كانوا مع ذلك كبيري الرجاء في قيام حركة الإصلاح من ناحية مصر بعد الذي أبدته حكومتها، والذي أبداه طلعت باشا حرب - كما أبداه غير واحد من رجالها - من صادق الحرص على إتمام أعمال لا مفر من إتمامها لخير المسلمين جميعا في هذه الأماكن التي يقصد المسلمون جميعا إليها.
Page inconnue