أقصاصا أردتم أم كيادا؟
أحسنوا القتل إن ضننتم بعفو
أنفوسا أصبتم أم جمادا؟
ليت شعري أتلك محكمة التفتي
ش عادت أم عهد نيرون عادا؟
كيف يحلو من القوي التشفي
من ضعيف ألقى إليه القيادا؟
تلك كانت المرحلة الأولى، وهكذا جاءت خلالها صورة المقاومة في الأدب، ثم جاءت المرحلة الثانية التي امتدت فيما بين الحربين، وقد اتخذت المقاومة صورة أخرى، وهي الإشادة بالحرية والدعوة إليها، حتى ولو لم يذكر المستعمر في سياق الدعوة ذكرا صريحا.
وقد ظهرت بدايات هذه المرحلة الثانية، حتى قبل أن تنتهي الحرب العالمية الأولى، كأنما كانت بدايات تمهد النفوس تمهيدا مباشرا لثورة 1919م، وهي بدايات ظهرت أوضح ما تكون في الشعر، ففي العشرة الأعوام الثانية من هذا القرن، ظهرت دواوين ثلاثة، عزفت كلها على وتر واحد، إذ عزفت نشيد الفرد الإنساني وما يجب له من حرية وما يجب عليه من مسئولية إزاء نفسه، وتلك الدواوين الثلاثة كانت هي الجزء الثاني من ديوان عبد الرحمن شكري (1913م) والجزء الأول من ديوان المازني (1914م)، وقد قدم العقاد لهما، والجزء الأول من ديوان العقاد (1916م) وقد قدم له المازني، فجاءت هذه الدواوين الثلاثة بمثابة إعلان لحقوق الإنسان الجديد، وإنهم - هؤلاء الثلاثة الشعراء - ليؤمنون أن نهوض الأدب شرط لازم للنهضة القومية وللحرية الوطنية، وأنه لا حرية ولا استقلال لإنسان هانت عليه نفسه حتى ليعجز عن الشعور بها، يقول العقاد في مقدمته للجزء الأول من ديوانه: «ومن كان يماري في هذا القول فليراجع التاريخ، وليذكر أمة واحدة نهضت نهضة اجتماعية فلم تكن نهضتها هذه مسبوقة أو مقرونة بنهضة عالية في آدابها» وقد ظهرت بدايات شبيهة بذلك في ميدان الرواية متمثلة في قصة زينب 1914م للدكتور هيكل التي هي من أولى بشائر الشعور بالمصرية الصميمة وحياة الطبقة العاملة في الريف، وهو الشعور نفسه الذي جاءت رواية عودة الروح (1929م) لتوفيق الحكيم لتؤكده.
ويثور الشعب ثورته عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، مطالبا بحقه في الحرية من المستعمر البريطاني، وتجري أنهر الصحف اليومية بأنهر من الأدب السياسي المشتعل بحرارة الثائرين، ثم سرعان ما يصاحب هذا الأدب السياسي مقالات وكتب في ضروب الحرية وفي مراميها وأبعادها، فيكتب العقاد في فلسفة الحرية وفي علاقتها بألوان الفنون جميعها، ويقول إن حب الأمم للحرية إنما يقاس بحبها للفنون الجميلة «لأن الصناعات والعلوم النفعية مطلب من مطالب العيش تساق إليه الأمم مرغمة مجبرة، وضرورة من ضرورات الذود عن الحياة تدفع إليها مغلوبة مسخرة ... وإنما تعرف الأمم الحرية حين تأخذ في التفضيل بين شيء جميل وشيء أجمل منه، وتتوق إلى التمييز بين مطلب محبوب ومطلب أحب وأوقع في القلب وأدنى إلى إرضاء الذوق وإعجاب الحس، ولا يكون ذلك منها إلا حين تحب الجمال، منظورا أو مسموعا» (مطالعات في الكتب والحياة، ص54).
Page inconnue