En philosophie de la critique
في فلسفة النقد
Genres
فأيهما أبعث إلى الراحة عند الإنسان؛ الخط المستقيم أم الخط المنحني؟ أظن أن أحدا منا لا يتردد في تفضيل المنحني على المستقيم؛ لأن البصر يستريح للأول أكثر مما يستريح للثاني. لماذا؟
لأن العين وهي تتعقب الخط المستقيم، خصوصا إذا طال امتداده، تحاول أن تحتفظ بالحدقة في وضع واحد تقريبا؛ ومن ثم يكون التعب والملل، ذلك بالطبع إذا لم يكن الخط المستقيم من القصر بحيث ندركه والرأس ثابت في موضعه، بل يطول بحيث يضطر الرائي إلى إدارة رأسه، ومع الرأس البصر، فلا عجب أن يقع الخط المستقيم الطويل من مشاهده موقع الصلابة والجفاف، ولا عجب كذلك أن اضطر فنان العمارة دائما أن يحني العمد في أسافلها وأعاليها بقواعد ورءوس فيها انحناء.
والخط المنحني أروح للبصر؛ لأن عضلات الإبصار في متابعته لا تثبت على حالة واحدة، بل بحكم استدارة الخط تتغير حالة الحاسة المبصرة، فيزول أساس التعب والملل؛ ومن ثم ترانا نصف الخطوط المنحنية بالانسياب والرشاقة واللين.
لكن الانحناء إذا ما بلغ حد الاستدارة الكاملة - في دائرة تقع كلها في مجال الإدراك الحسي - يفقد كثيرا من جماله. لماذا؟ لأن التباين هنا سيزول ويحل محله الاطراد؛ فالمشاهد سيقع ببصره على مركز الدائرة، ولن يجد البصر ما يلفته إلى اليمين أكثر مما يلفته إلى اليسار، أو إلى أعلى أو إلى أسفل؛ ومن ثم يكون الاطراد الممل.
كثيرا ما أبدى فلاسفة اليونان فتنتهم بالدائرة لما فيها من الاستمرار والبساطة، حتى لقد حسبوا أن الكواكب تدور في أفلاك مستديرة لجمال هذه الأفلاك الدائرية، لكني أرى الدائرة ينقصها الحافز المثير؛ ومن ثم ينقص جمالها. نعم إن في الفن الكلاسيكي أمثلة كثيرة فيها هالات مستديرة تحيط بالوجوه، لكنها تخف على العين لسببين؛ أولهما أن الوجه نفسه بمثابة كسر للاطراد، والآخر هو أن أمثال هذه الهالات توحي بفكرة تصرف النظر عن الدائرة نفسها، كفكرة الشمس المشعة أو القمر المضيء.
وبديهي أن هذا الحكم لا ينطبق على الدوائر الصغيرة داخل الصورة كأزرار الثوب مثلا؛ لأن البصر لا يقف عند الواحدة منها وقفة خاصة بها، بل يتخذ منها نقطا تقسم له الصورة تقسيما قد يساعد على انتقال العين انتقالا مريحا من جانب من المرئي إلى جانب آخر.
ومن أهم الأمثلة التي أوضح بها وجهة النظر القائلة بأن جمال الفورم مرتكز في النهاية على تكويننا الفسيولوجي والنفسي، المماثلة أو السيمترية، فلماذا يكون في المماثلة جمال؟ ومتى يكون؟
يلاحظ أولا أن الإنسان نفسه في تكوينه الجسدي تماثل بين الجانب الأيمن والجانب الأيسر، ولا تماثل هناك بين أعلاه وأسفله؛ ولذلك ترانا نقصر الحديث في المماثلة في الأثر الفني بين الجانب الأيمن من الصورة أو من البناء، أما بين الجانب الأعلى والجانب الأسفل فالمماثلة لا تطلب أبدا، بل يكاد عدم المماثلة هنا أن يكون شرطا؛ ففي أعلى تكون السماء - مثلا - وفي أسفل يكون المنظر الأرضي، أفلا يكون هذا نفسه انعكاسا لتكويننا الجسدي؟ أضف إلى ذلك أن المشاهد لا يحرك رأسه من أعلى إلى أسفل بقدر ما يحركها من اليمين إلى اليسار؛ ولهذا كانت المماثلة مطلوبة بين اليمين واليسار، وغير مطلوبة بين الأعلى والأسفل.
إن المصور عادة يضع في وسط صورته ما يسترعي النظر، كأن يضع شخصا أو مجموعة أشخاص وسط منظر طبيعي، حتى إذا ما استقرت العين على هذا المركز، حدث لها جذب طبيعي أن تجول في بقية الجهات متجهة يمينا ويسارا، فإذا ما كان هنالك اتزان بين الجانبين استراحت راحة مصدرها الاقتصاد في جهدها العضلي.
إن الإيقاع على فترات متساوية ظاهرة مألوفة في طبيعة الإنسان نفسه، فبين ضربات القلب انتظام، وبين وحدات التنفس انتظام، وبين النوم واليقظة انتظام، وهكذا. وأحسب أن هذا الإيقاع الفطري فينا هو ما يجعلنا نتوقعه في مدركاتنا، ونستريح إذا وجدناه، ويصيبنا القلق إذا فقدناه، من هنا كان الوزن في الشعر، وكانت السيمترية في العمارة وفي التصوير. قارن حالتك وأنت تتبع بنظرك جدارا طويلا لا يكون فيه أبدا ما يقسمه إلى فترات، بحالتك إذا كان هذا الجدار منقسما إلى وحدات تحددها أبراج أو عواميد أو غير ذلك، لكن هل يكون معنى ذلك أن يعمد المصور - مثلا - إلى جعل صورته متماثلة أدق المماثلة في يمناها ويسراها؟ كلا، بل إنه يعتمد على مبدأ المماثلة دون أن يطيعه طاعة عمياء؛ فالإنسان الرائي إذا ما وجد الأيمن مختلفا عن الأيسر انتابته صدمة توقظه، فإن كان سبب الاختلاف مثيرا لاهتمامه فإن ذلك هو مصدر جمال الفورم، أما إذا كان الاختلاف الذي سبب الصدمة غير مثير لاهتمامه، اجتمعت الصدمة إلى خيبة الأمل، وفقد الفورم كل جمال مقصود أو غير مقصود.
Page inconnue