وكذلك يمثل العقل؛ فان النفس إذا باشرت العقل، أعنى الصور التى لا هيولى لها ولا فنطاسيا، [و] اتحدت بالنفس، أعنى أنها كانت موجودة فى النفس بالفعل، وقد كانت قبل ذلك لا موجودة فيها بالفعل، بل بالقوة، فهذه الصورة التى لا هيولى لها ولا فنطاسيا هى العقل المستفاد للنفس من العقل الأول، الذى هو نوعية الأشياء التى هى بالفعل أبدا؛ وإنما صار مفيدا والنفس مستفيدة، لأن النفس بالقوة عاقلة، والعقل الأول بالفعل؛ وكل شىء أفاد شيئا ذاته فإن المستفيد كان له ذلك الشىء بالقوة، ولم يكن له بالفعل؛ وكل ما كان لشىء بالقوة فليس يخرج إلى الفعل بذاته، لأنه لو كان بذاته كان أبدا بالفعل، لأن ذاته له أبدا ما كان موجودا؛ فإذن كل ما كان بالقوة فإنما يخرج إلى الفعل بآخر، هو ذلك الشىء بالفعل؛ فإذن النفس عاقلة بالقوة وخارجة بالعقل الأول، إذا باشرته، إلى أن تكون عاقلة بالفعل؛ فإنها إذا اتحدت الصورة العقلية بها لم تكن هى والصورة العقلية متغايرة، لأنها ليست بمنقسمة، فتتغاير؛ فإذا اتحدت بها الصورة العقلية فهى والعقل شىء واحد؛ فهى عاقلة ومعقولة. فإذن العقل والمعقول شىء أحد من جهة النفس، فأما العقل الذى بالفعل أبدا المخرج النفس إلى أن تصير بالفعل عاقلة، بعد أن كانت عاقلة بالقوة، فليس هو ومعقوله شيئا أحدا؛ [فإذن المعقول فى النفس والعقل الأول من جهة العقل الأول ليس بشىء واحد]؛ فأما من جهة النفس فالعقل والمعقول شىء أحد؛ وهذا فى العقل هو بالبسيط أشبه بالنفس وأقوى منه فى المحسوس كثيرا.
Page 357