Sur la littérature de l'Égypte fatimide
في أدب مصر الفاطمية
Genres
20
ويحدثنا الكرماني في مقدمة هذه الرسالة أنه وفد إلى مصر - ويخيل إلي أنه جاء مصر إبان ثورة الدرزي - فاضطر إلى تأليف هذه الرسالة وقراءتها على الناس، فنقلها عنه مؤذن الجامع الأزهر. فهذا كله يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الفاطميين اتخذوا من المسجد الجامع الأزهر مركزا من مراكز دعوتهم، ومعهدا تلقى فيه علوم أهل البيت.
وهنا نقف لنتساءل: هل كان هذا المسجد معهدا لتعليم الدعوة الفاطمية فحسب، فلا نجد أثرا لحلقات الشافعية والمالكية والحنفية؟ يخيل إلي أن الفاطميين كانوا يتسامحون مع علماء أهل السنة بأن أذنوا لبعض فقهاء أهل السنة أن يلقي دروسه وتعاليمه في الجامع الأزهر؛ فقد قيل: إنه في سنة 383ه رتب رجل جعفري للجلوس في الجامع للفتوى على مذهب أهل البيت، فشغب عليه الفقهاء من أهل الجامع، فبلغ القاضي ذلك فقبض على بعضهم.
21
فمن هذا النص نستطيع أن نتبين أنه كان بالجامع فقهاء يخالفون العقيدة الفاطمية، وأنهم كانوا يفتون على حسب مذهبهم وعقيدتهم، فلما جاء هذا الفقيه للفتيا على المذهب الفاطمي شغبوا عليه، فاضطر القاضي إلى أن يقبض على بعضهم لا لشيء سوى أنهم لم يتسامحوا مع هذا الفقيه مثل ما تسامحت الدولة معهم. ويروى أيضا أن الحاكم بأمر الله أمر بطلب فقيهين، وأمرهما بتدريس مذهب مالك في الجامع، ثم بدا له فقتلهما بعد ذلك.
22
أضف إلى ذلك أن مصر شاهدت في العصر الفاطمي عددا من فقهاء الشافعية والمالكية، كذلك وفد على مصر عبد السلام بن محمد بن بندار أبو يوسف القزويني شيخ المعتزلة، وأقام بها أربعين سنة
23
يلقي تعاليمه التي تخالف تعاليم الفاطميين، وسنتحدث عن ذلك كله في الفصل الخاص بفقهاء أهل السنة؛ وإذن نستطيع أن نقول إن الفاطميين كانوا يسمحون لأصحاب المذاهب الأخرى بإلقاء تعاليمهم بجانب ما كان يلقى من تعاليم الفاطمية، وقد تكون هذه سياسة وضعت لأن تقام المناظرات بين علماء هذه المذاهب وبين دعاة الفاطميين، حتى يستطيع جمهرة المستمعين أن يتبينوا بعض المآخذ على المذاهب غير الفاطمية، وأن يقتنعوا بحجج الدعاة وأدلتهم، وتبهرهم فصاحتهم فيدخلوا في الدعوة.
وإلى جانب الجامع الأزهر نرى الفاطميين قد بنوا جامع الحاكم خارج باب الفتوح، وجامع راشدة، وجامع المقس، وجامع القرافة، والجامع الأقمر، وكثيرا من المساجد التي لا يزال بعضها ماثلا أمام أعيننا الآن، وقد نقل الفاطميون إليها المصاحف، وجلس فيها الفقهاء والعلماء ودعاة المذهب الفاطمي، فكانت هذه المساجد بمثابة مدارس لتلقين الدعوة الفاطمية.
Page inconnue