175

Sur la littérature de l'Égypte fatimide

في أدب مصر الفاطمية

Genres

15

فقارئ مثل هذه الأبيات من نظم المؤيد يدرك لأول وهلة مقدار تأثرها بالمصطلحات الفاطمية التي لا يعرفها إلا من تعمق في دراسة المذهب الفاطمي، فإن قضية الإبداع، أو الحدود الروحانية والجسمانية عند الفاطميين تكاد أن تكون أدق موضوع عالجه جميع الدعاة والكتاب، فأفردوا لهذا الموضوع كتبا خاصة، وفصولا من كل كتاب من كتب الدعوة، والمؤيد في الدين في هذه الأبيات يشير إلى «الكاف» و«النون» وهما الحرفان اللذان يأتلف منهما لفظ «كن» من قوله تعالى:

إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون

غير أن الفاطميين قالوا: إن «كن» هي الكلمة التي قامت بها السموات والأرض وما فيهما من خلق، وإن «الكاف» و«النون» ليسا بحرفي هجاء كما يتوهم العامة، بل هما ملكان روحانيان جليلا القدر عظيما الشأن، وقد أقسم الله - سبحانه وتعالى - بهما في قوله:

ن والقلم

والله تعالى لا يقسم إلا بأعز مخلوقاته، «فالكاف» رمز من الله «بالقلم»، و«النون» رمز إلى «اللوح المحفوظ»، ويسمى «القلم» عندهم بالسابق، وهو العقل الكلي عند الفلاسفة، وله كل صفات وخصائص ذلك العقل كما تحدث عنه الفلاسفة، وهو أول ما أبدعه الله - سبحانه وتعالى - من الحدود الروحانية. ومن علماء المذهب من قال بأن وجود عالم الإبداع ظهر دفعة واحدة عن المبدع الحق تعالى لا من شيء، أي لا من مادة تقدمت عليه، ولا بشيء، أي لا بآلة استعان بها عليه، ولا في شيء أي لا مع غيره يشاكله ويساويه، ولا مثل شيء أي لا مثل معلوم كان له نظير فيه، ولا لشيء أي لا لحاجة في زيادة ولا نقصان في ملكه تعالى ومشيئته، فكان وجود الكل كما رمز به الحكماء ولوح به العلماء عنه تعالى بحرف «الكاف» و«النون» فكان ما كان،

16

ولكن أغلب العلماء على أن «القلم» كان أسبق في الوجود من اللوح، ولذلك سمي «القلم» بالسابق، و«اللوح» بالتالي، و«اللوح» هو ما يسمى عند الفلاسفة بالنفس، وجعل الفاطميون لهذا الحد جميع الصفات التي وصف بها الفلاسفة النفس الكلية، ومن «القلم» و«اللوح» وبواسطتهما أوجد الله تعالى جميع المخلوقات في السموات والأرض، فهما كافلا العالم،

17

فحديثهم في الإبداع هو صورة لمراتب الفيوضات في الأفلاطونية الحديثة، وإن كان الفاطميون صبغوها بالصبغة الإسلامية، وبتطبيق نظرية المثل والممثول، يكون النبي مثلا «للقلم»، والوصي مثلا «للوح»، وبعد وفاة النبي يصبح الإمام مثلا للقلم والحجة مثلا للوح، وللمثل جميع صفات وخصائص الممثول، فكأن الفاطميين لم يبحثوا مسألة الإبداع إلا لإثبات مكانة الأئمة بين الحدود الجسمانية، ومماثلتهم للحدود الروحانية في العالم العلوي، وإسباغ ألوان التقديس على الأئمة بهذه المماثلة، وعن هذه العقيدة اشتق الفاطميون عقائدهم في صفات الإمام، وظهر أثرها في الشعر الفاطمي. من ذلك ما أنشده المؤيد في الدين في مدح إمامه المستنصر:

Page inconnue